اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
ما الذي حدث في قطاع غزة فجأة؟ هل تغير موقف الكيان الصهيوني مما يجري هناك بعد الضغط الكبير الذي مارسته وسائل الإعلام المختلفة في أيام التجويع القاسي الذي شهده الفلسطينيون وبدأت آثاره المدمّرة تظهر للعيان؟ أم أنه طُعم مغلّف بسُمٍّ تجهّزُه إسرائيل لإسكات أصوات علت عاليًا في الداخل والخارج، أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة بعد انهيار مفاوضات الدوحة وإرجاع الوفديْن الأمريكي والإسرائيلي إلى بلديْهما وتهديد ترامب ونتنياهو غزّة بخيارات بديلة مُوجعة ومُؤلمة، أم ما الذي سيحصل بعد أن حصل فجأة ما رأينا من دخول الشاحنات تترى إلى قطاع غزة عبر المعبر الذي أحكمت إسرائيل إغلاقه بعد السّيطرة عليه وفرضت طوقًا أمنيًّا مشدّدًا لا تدخل من خلاله قطعة خبز أو شربة ماء واحدة.
فوزي بن يونس بن حديد
إنه لأمرٌ محيّر فعلا، الذي حدث والذي سيحدث، بعد التصريحات الصهيونية الواضحة بأن إسرائيل ماضية في حربها على غزة من كل الجهات، وأنها لن تستمر في الحوار حتى تستكين حماس، وأنها مستعدة لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني إلى خارج قطاع غزة، وأن متطرّفيها يدعون إلى قتل كل فلسطيني لأنه ببساطة لا يستحق الحياة، غير أن التأمل في الأحداث التي تجري في غزة قد يفرز أسرارًا أخرى ربما وضعتها إسرائيل في الحسبان، لكن يبقى الخوف كل الخوف في ماهية الخيارات البديلة التي تلوّح بها إسرائيل وأمريكا بدل الحرب الشعواء التي تجري اليوم والتي أكلت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل وأجّجت الاحتجاجات في العالم بشكل غير مسبوق حتى صارت إسرائيل في نظر أوروبا دولة همجية تستعمل أساليب النازية في تعاملها مع الفلسطينيين وأضحت دولة عنصرية منبوذة لا تستحق الرأفة ولا المساعدة ولا المساندة بعد أن فقدت كل معاني الإنسانية وتركت مبادئ الأخلاق العالمية.
إسرائيل لم تُفلح في إخضاع حماس
ونتيجة لكل ما جرى، فإن إسرائيل تعبت وانهارت ولم تُفلح في إخضاع حماس بأي شكل من الأشكال، رغم ضراوة المعارك واستعمال القوة المُفرطة جوًّا وبحرًا وبرًّا، ولم يفلح جالانت ولا كاتس ولا هليفي ولا زامير في قطع أوصال حركة المقاومة في فلسطين بكافة صنوفها وأنواعها، ولم يستطع الكيان الصهيوني الوصول إلى حقيقة الأنفاق التي أبدعت صُنعها المقاومة والتي تعدّ لغزا معقّدا وغامضا إلى اليوم، ولم تفلح الاستخبارات الأمريكية ولا الصّهيونية في فكّها أو الوصول إلى شفرتها لا من قريب ولا من بعيد، وهي التي تعدّ سر نجاح المقاومة في فلسطين على مدى عامين من الحرب تقريبا، وفي ذلك دليلٌ على عجز الكيان الصهيوني عن الوصول إلى حقيقة المقاومة وإطلاق سراح رهائن إسرائيليين في قبضة حماس وغيرها.
ولا شك أن رؤساء الأركان الذين توافدوا على الجيش الصهيوني يقرّون بأن حماس ليست عدوًّا عاديًّا وإنما تستخدم تكتيكات حربية مذهلة، وتتكيّف مع واقع الحرب الحديث في تكنولوجيتها الجديدة، وأنها مستوعبة وقادرة على صنع المستحيل بناء على عقيدة صلبة وهدوء وثبات وجُرأة غير عادية بخلاف الجندي الإسرائيلي المرفّه حربيًّا لكنه يعاني من أزمات نفسيّة وفوبيا غير عادية بمجرد أن يسمع أن مُقاوما قضّ مضجعه، أو مرّ من أمامه، فيفرّ منه فراره من الأسد تاركا سلاحه وكل ما عنده وراءه لينجو بنفسه وإذا به يقع في شباك المقاوم الذي جهز له الكمين المُحكم ويستعد لتفجيره عن بُعد.
المسألة ليست سهلة، وعلى الصهاينة والأمريكان أن يفكروا جيدا قبل مواجهة حماس، فالمقاومة مستعدة هذه المرة بكل ثبات ولن تتنازل عن السلاح ولا عن كرامة الإنسان وإن كلف ما كلف على مستوى الميدان، هذا هو الشراء الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ وهذا هو سرّ نجاح حماس وغيرها من المقاومين.
صلابة الرجال في مواجهة الأوغاد
وما تفعله إسرائيل اليوم عبثٌ بالإنسان وهمجيةٌ غير مسبوقة وليست دفاعًا عن النفس كما تدّعي، وحماية لشعبها من الإرهابيين كما تقول، بل إن ما تفعله سيغرس في قلوب آلاف الفلسطينيين حبّ الانتقام الشديد في المستقبل القريب، وسيحدث ثورة غير مسبوقة لتهجير اليهود المجرمين من الأراضي التي اغتصبوها منذ أكثر من سبعين عاما، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ وقد جاء الوعد الرباني من خلال طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ليكتب فصلا جديدا من المعركة التاريخية بين المقاومين الرجال والصهاينة الأوغاد، ولتثبت هذه المعركة مدى صلابة الرجال في مواجهة الأوغاد، فما الذي أعدّه الصهاينة والأمريكان لهم وما يسمّونه اليوم بالخيارات البديلة أكثر مما فعلوا، وما الذي ستنتجه عبقريتهم أكثر مما أنتجته من تدمير وقتل وسفك للدماء وتجويع وتعطيش؟، وما موقف المقاومة من التهديد البركاني الذي أحدثه نتنياهو وغريمه ترامب، اللذين لا يُفلحان إلا في التهديد والوعيد، ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾، وما أعلنه العدو الصهيوني من هدنة تكتيكية لإدخال مساعدات لا يعدو أن يكون مجرد خدعة تفطنت إليها حماس لأنها قد خبرت تكتيكاته منذ زمن بعيد.