"الفرود" نقل غير شرعي بين تونس والجزائر محفوف بالمخاطر

يقول السائقون إنه 'عمل محفوف بالأخطار والمشكلات، فقد يكون معك مطلوب لدى الأمن أو تاجر مخدرات أو مهرب عملة صعبة'

لا يمكن للمسافر براً بين الجزائر وتونس أن يستغني عن 'الفرود' في عبور حدود البلدين، فهو وسيلة النقل الوحيدة في ظل غياب الحكومية. وعلى رغم عدم قانونيتها، إلا أن الإقبال عليها إلى ازدياد ويصل حد أخذ موعد من أجل حجز مكان في سيارة سياحية تتحرك في الصباح الباكر من مدينة عنابة الجزائرية باتجاه تونس العاصمة.

يكثر الطلب عليها

تجدهم أمام محطات نقل المسافرين لمدينة عنابة الواقعة شرق الجزائر، لكن تبقى محطتا الحافلات والقطارات أهم موقع يتجمعون فيه، وهم ينادون 'تونس العاصمة... تونس العاصمة' أو 'بقي مكان نحو تونس'، من أجل اصطياد زبائن مسافرين إلى الجارة الشرقية، وكل ذلك بعيداً من أعين الرقابة الأمنية التي تعتبر ممارستهم غير شرعية يعاقب عليها القانون، إنهم 'الفرود' أصحاب سيارات الأجرة غير القانونية، التي تنقل المسافرين من الجزائر إلى تونس.

وبينما ينتشرون داخل المحطات وداخل الحافلات الآتية من مختلف محافظات الجزائر، تبقى سياراتهم بعيدة من محيط تحركاتهم خوفاً من عقوبة قد تطاولهم، على اعتبار أنهم معروفون لدى رجال الأمن، وبالتالي يكون التفاهم مع الزبائن حول موقع ركن السيارة من دون لفت الانتباه، بعد الاتفاق على السعر الذي يبقى موحداً في ما بين جميع 'الفرود' والمقدر بـ 3000 دينار جزائري، ما يعادل 21 دولاراً تقريباً، للمسافر الواحد، ما يجعل مجموع ما يتم تحصيله من أربعة ركاب 12 ألف دينار، أي حوالى 98 دولاراً.

للقدامى حظ أوفر

يعرضون خدماتهم على الزبائن من صرف العملات إلى المساعدة على تمرير بعض السلع لمن لا يملك أمتعة، إلى تقاسم الأماكن في ما بين الزملاء 'الفرود'، لأن بينهم من يحصل على عدد أكبر من الزبائن بصفتهم من القدامى، الذين هم على دراية بمختلف كواليس هذا النشاط، مثل حجز مقاعد عبر الهاتف والتفاهم مع سائق الحافلة قبل انطلاقه باصطياد المسافرين المتوجهين إلى تونس قبل الوصول إلى مدينة عنابة، وذلك مقابل مبلغ مالي عن كل مسافر يقدر بـ 500 دينار، أي نحو 3.2 دولار.

يقول كريم أحد قدامي 'الفرود' في تصريح لـ'اندبندنت عربية'، إن هذا النشاط يعتبر في نظر القانون غير شرعي لذا 'نستعمل بعض الحيل للهروب من المتابعات الأمنية'، ومن أجل ذلك أيضاً 'نفضل التحرك في هذا التوقيت المبكر من كل يوم، إذ نستيقظ عند الرابعة فجراً لاستقبال أولى الحافلات الآتية من الجزائر العاصمة والتي تنطلق عند العاشرة مساء'. وأضاف أن هذا النشاط ظهر بناء على طلب الزبائن المتزايد بسبب غياب وسائل النقل التي تنقلهم سواء إلى الحدود التونسية أو إلى داخل التراب التونسي. وقال إن المسافرين يقصدون الجارة الشرقية لقضاء حاجات وأمور عدة، وأولها العلاج والسياحة والتسوق والدراسة والتجارة وغيرها.

تفاهم وثقة مع المصالح الحدودية

وبعد اكتمال عدد الركاب، ينطلق 'الفرود' باتجاه الحدود الجزائرية - التونسية التي تبعد عن مدينة عنابة حوالى 130 كلم، حيث يتحمل سائق المركبة مسؤولية ختم الجوازات وإتمام إجراءات العبور مع مصالح الشرطة والجمارك، ويتم ذلك بسرعة فائقة مقارنة ببقية المسافرين الذين يعبرون بسياراتهم الخاصة بعد طول انتظار عبر الطوابير، سواء عن الجهة الجزائرية أو التونسية، لدرجة أن المتابع أو الراكب يخيّل له أن 'الفرود' جزء من عمل المصالح الحدودية في البلدين، وبعد الانتهاء يواصل السائق طريقه باتجاه العاصمة تونس على طول 220 كلم، والتوقف في المحطة النهائية 'باب بحر'.

وعن ذلك التفاهم يحكي كريم، أن هناك تنسيقاً بين الجهات المعنية في المركزين الحدوديين و'الفرود'، وقد نشأ هذا التفاهم من كثرة التنقلات والعبور، مشيراً إلى أن بعض السائقين باتوا مصدر ثقة المصالح الأمنية والجمركية، يساعدون من هم بحاجة إلى اقتناء الدواء أو أخذ مواعيد في العيادات التونسية، أو توصيل بعض المستلزمات والمواد على اعتبار أن هناك روابط مصاهرة في الجهتين، ومن لهم أبناء يدرسون ويعملون في البلدين. وختم أن النشاط بات تكاملياً على مستويات عدة في ظل غياب وسائل نقل حكومية من الجانبين.

أخطار ومشكلات

وقد يبدو نشاط 'الفرود' سهلاً وممتعاً ومربحاً، لكن على العكس من ذلك يوضح السائق وحيد قائلاً إن 'هذا العمل محفوف بالأخطار والمشكلات، أولها أنك مسؤول عن الركاب وأيضاً الأمتعة، ثم أن هوية المسافرين تبقى الخطر الذي يهدد استمرار النشاط، فقد يكون معك مطلوب لدى الأمن أو تاجر مخدرات أو مهرب عملة صعبة، وهو ما قد يضعك في وضعية حرجة أمام المصالح الحدودية، وممكن أن يتم اتهامك بالتواطؤ'، مشدداً على أن قضية 'هروب' الناشطة السياسية أميرة بوراوي إلى تونس، لا تزال عالقة في أذهان جميع 'الفرود' بعد أن دفع السائق الثمن بسجنه ومسؤول الأمن المكلف بختم الجوازات.

وفي السياق، مثل نهاية 2023، أمام مجلس قضاء عنابة، رجل ورد اسمه في قضية تهريب رعايا أفارقة يحملون جنسيات عدة إلى خارج أرض الوطن بطريقة غير شرعية، حيث حاول تمريرهم إلى تونس مقابل مبالغ مالية متفاوتة. كما تمكنت الناشطة أميرة بوراوي الممنوعة من مغادرة بلادها، في فبراير (شباط) 2023، من عبور الحدود البرية مع تونس، باستخدام جواز سفر والدتها من دون علم 'الفرود' الذي استخدم معارفه لتسريع عملية ختم الجوازات وإجراءات الجمارك.

إلى ذلك، سارعت الجزائر إلى فتح تسعة معابر حدودية مجهزة بكل الوسائل المادية والبشرية لتسهيل حركة وتنقل الجزائريين من وإلى الجمهورية التونسية، ويشير ديوان السياحة التونسي إلى أن أكثر من 90 في المئة من الجزائريين الذين يزورون تونس يفضلون الدخول عبر المعابر البرية، إلا أن المسافرين يجمعون على ضرورة أن تبحث الجهات الرسمية لدى البلدين عن حلول لتوفير وسائل نقل برية لعبور الحدود الممتدة على طول 1034 كلم.