اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢ شباط ٢٠٢٥
ينظّم كل من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومخبر تاريخ اقتصاد المتوّسط ومجتمعاته ومجموعة بحث دراسات الحدود ندوة تحت عنوان 'عن العلاقة الجدلية بين الهجرة والحدود: مدخل لتفكيك السرديات المهيمنة واعادة تشكيلها'.
تننظم الندوة يوم الأربعاء 5 فيفري 2025 بقاعة فاطمة الحداد بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس ابتداء من الساعة التاسعة صباحا بمشاركة عدد من الباحثين و الخبراء و نشطاء المجتمع المدني و من بينهم حياة عمامو و مهدي مبروك و منتصر الساخي و وائل القرناوي,
يستدعي التفكير في مسألة الهجرة اليوم تفكيك المفاهيم والسرديات التي ترافقها وتساهم في تشكيل أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية. ولعل ماهية الهجرة باعتبارها حركة يتطلب التعمق في أكثر المفاهيم ارتباطا بها وهي 'الحدود'. وإذ تترادف الحدود في المخيال العام مع الثابت والمستقرّ إلا أن تاريخيتها فيها من الحركة الكثير أيضا بما يساهم في إعادة فهم الهجرة ومساءلة السياسات التي تحكمها.
فهم موازين القوى وعلاقة المركز بالهامش
وتحمل الحدود، رغم ضيق مجالها المادي كمساحة فاصلة ومتحركة بين 'هنا' و'هناك' وبين 'نحن' و'الآخر'، رحابة مركّزة يتراكم فيها التبادل والتفاوض والتنازع والتوافق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وهي بذلك مساحة بالغة الأهمية في فهم موازين القوى وعلاقة المركز بالهامش وتشكّل الهويات وتقاطع السياسي بالثقافي وتطور أشكال المواجهة بين منظومات الحكم والمنظومات المجتمعية بشكل عام. استطرادا، وانطلاقا من تعريف الهجرة كحركة عبور للحدود، وجب التوقف عند بعض الأسئلة التي عملت السرديات المهيمنة اليوم على تغييبها عن النقاش، ولعل أبرز هذه الأسئلة هي 'من يرسم هذه الحدود، كيف، ولماذا؟' و'من يرسم مسارات الهجرة، كيف، ولماذا؟'.
قد تبدو الإجابة على هذه الأسئلة اليوم بديهية ولكن البحث فيها ضروري إذ أنها تحتمل إجابات عديدة تختلف باختلاف تموقع الباحث فكريا وعلميا وثقافيا، ولعلّ منطقة شمال إفريقيا وامتدادها التاريخي اللامادي شمالا وجنوبا من بين أكثر المناطق التي تفتح مجال التفكير في هذه الأسئلة على مصراعيه وتستوعب التجديد في الطرح. ولا يمكن اليوم الخوض في هذه الأسئلة من منظور تقني أو قانوني أو حقوقي بمعزل عن التاريخي والثقافي والحضاري.
إن هذا المدخل يفرض مساءلة أدوات الإجابة بما يسمح بفكر نقدي حامل لبدائل تتحدى السرديات المهيمنة والتي يحكمها، بشكل مباشر أو غير مباشر، إرث استعماري سمح بامتداد وتواصل وتجذّر فهم الهجرة داخل قوقعة المركزية الأوروبية حصرا، والأصل أن المركز أيضا متحرك، وأنه، في تصوّر آخر للعالم، 'الجنوب' على حد سواء.
موت وعنف وشتات
إن قتامة المشهد الحالي في المنطقة، وما يرافق مسألة الهجرة من انتهاكات لحقوق الإنسان وموت وعنف وشتات، ليست حديثة الملامح بل هي ترجمة لنجاح المشروع الاستعماري في رسم حدود تحكم أنماط الهجرة ودوافعها وترسّخ التمييز ووصم شعوب دون غيرها وضبط استحقاقها وأحقيتها في الكرامة واستقلال القرار. هذه الحدود ليست إذا مجرد إرث صوريّ بل أداة ذات فاعلية مستمرة لاحقة لانتهاء المشروع الاستعماري في شكله العسكري. ومع تآكل مفهوم السيادية الذي قامت عليه الدولة الوطنية بعد الاستقلال، وتنامي اللامساواة بالتوزيع غير العادل للثروات محليا وعالميا، تعبّر الهجرة اليوم عن حركة طبيعية أكثر من أي وقت مضى فيما تواجهها أمننة غير مسبوقة وخطاب مهيمن عابث بالمخيال العام تطبعه العنصرية والكراهية والتطبيع مع ازدواجية المعايير واعتباطيتها. ولعلّ أحد 'أحدث' دوافع الهجرة اليوم، وهو التغير المناخي، مثال صريح على تفرّعات وازدواجية هذا الخطاب إذ تختفي الحدود فجأة وتشمل مسؤولية مواجهة هذا التحدّي الجميع بغض النظر عن درجة المساهمة في الكارثة ويتحول العالم الى 'عالم واحد متضامن'، بينما تُشيّد الحواجز البرية وتُعسكر البحار في وجه من ماتت أرضه ونشفت بئره واحترقت أشجاره وضاقت به سبل العيش.
ان مسؤولية الباحث من 'الجنوب' اليوم عند استجابته لضرورة تحدّي السرديات المهيمنة شديدة الارتباط بمسؤوليته في الانفتاح على، والانطلاق من، سرديات المهاجرين والمهمشين. وتقام هذه الندوة في هذا السياق لتنظر في هذه الأسئلة وغيرها وتناقش العلاقة الوثيقة بين الحدود والهجرة من خلال مقاربة متعددة الاختصاصات سعيا لوضع ملامح أولية لتجديد التفكير في مسألة الهجرة ونقض السرديات المهيمنة بطريقة مهيكلة وعلمية تخاطب السياسي والاجتماعي وتساهم في وضع مقاربات عملية بديلة تدفع بتغيير المشهد السائد أو، على الأقل، تحدّ من قتامته.
بلاغ.