اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
بقلم : محمد الهادي الجزيري
قابع في بيتي.. قانع بما شاء الله لي.. ، أكتب ما أستطيع من نصوص أو قصائد حول الملكة التي ذهبت وخلّفتني ذاهلا وذليلا.. ، هذا كلّ شيء.. ،الحياة بقدر ما تعطي.. تأخذ ولا بدّ من قبول ذلك والإذعان له..، وبينما أنا هكذا.. دُعيت من قبل السيدة الفاضلة هاجر زروق..مديرة مهرجان ' سيدي حمادة' بولاية سليانة.. باقتراح وتدبير الصديق الفنان الكبير سمير العڨربي المقيم في أبوظبي.. وجاء خصيصا لدعم هذا المهرجان وللمشاركة في لقاء موسيقي/شعري ليلة الخميس 24 جويلية 2025.. ، وهكذا بدأت الرحلة في مساء ذلك اليوم الساخن.. ووصلنا سيدي حمادة.. حيث استقبلتني السيدة هاجر زروق بحفاوة بالغة..، وعلمت أنّ ورشة الرسم انطلقت في صباح ذلك اليوم تحت إشراف زينب عمّار والرسام علاء الدين سكر..، ومن بعد استراحتنا ..انطلقنا في أول عرض وهو مخصّص لعرض الفروسية..لماجل عبّاس ، في هذا السياق أريد أن أتعرّض قليلا لهذا العرض المفتوح للعموم…
أوّل شيء شدّني ولفت انتباهي.. اختلاط الناس بشيبهم وشبابهم..، وطيبتهم ورقصهم الجماعي وغناؤهم العفوي مع ' الغناي'.. ، أمّا ما أبهرني في عرض الفروسية هو الشبان الذين تناوبوا على الجياد واستعرضوا عديد اللوحات الرائعة..، زادهم بهاء صوت المغنّي المصاحب لهم صحبة 'الزكرة والطبّال' ، هذا الرجل غنّى أغان متداولة في الجهة ..وكانت المرحومة أمّي والعزيزة زوجتي الفقيدة سعيدة ..، كانتا تغنّيان هذه الأغاني ..ممّا أثّر فيّ كثيرا وأكّد لي أنّ الشعب التونسي واحد ..ومحال تفرقته وتجزئته ..وتفتيته ديمغرافيا …مهما فعل أعداء الحياة ..
إثر ذلك استرحنا في البيت العامر للسيدة المديرة ..، وهو آخر بيت في جبل سيدي حمادة ، مغروس في قلب أشجار الزياتين والصفصاف والحشائش الطبيعية وبين عيون المياه الدافقة ..، وفي حدود العاشرة مساء بدأنا لقاءنا الموسيقي/ الشعريّ بقيادة المبدع الكبير سمير العڨربي وبمشاركتي ومساهمة عديد الشعراء الشعبيين من أبناء المنطقة ..منهم الهادي عبد الملك ونزيهة العربي وعبد الستار الهاني..وغيرهم ، وقد عاد بنا العڨربي إلى سنوات النوبة ، كما غنّى مع الفنانة المتميّزة مريم التارزي .. أغاني شعبية ومن ضمنها أغنية ' يا نسمة فزّي ' التي يُتقن أداءها كلّ ' أولاد سيدي حمادة ' بشكل مدهش ومربك ..، يقول مطلع هذه الأغنية :
' يا نِسمة فزّي
سلاماتي هزّي
عالخلوة ..منها عزّي
ألف ولا يزّي
سلامي ع القبّةْ
وتراب القبّةْ
حبّةْ مع حبّةْ
وبابا حمادةْ ..القلب يحبّهْ '
وأعترف اليوم أنّي لم أسمع هذه الأغنية سوى منهم في مهرجان سيدي حمادة ..، وأنّها ربطتني روحيّا بهذا العلم الذي خلّف لنا ذرّية صالحة ..محبّة للحياة …
وتواصل العرض مراوحة بين الموسيقى والشعر..وقد غنّى لي الفنان الفذّ سمير العڨربي مقطعا من قصيدة ' ريتا ' التي يقول مطلعها :
' شاهي يحطّوني فِ برويطةْ
ويبيعوني للنساءْ
بالِكشِ تتعدّى ريتا
تشريني حتّى بالمائةْ '
ثمّ تفاعل مع الجمهور الذي طالبه بأغنية ' أنا عاشق يا مولاتي ' ممّا كلّل السهرة بالمتعة والإفادة..وبيّن إنّ للفنّان دورا كبيرا في استيعاب الجمهور حتّى وإن أوغل في الغربة …
من الغد الجمعة 25 جويلية يوم عيد الجمهورية ..، قادتنا النشيطة دائما مديرة المهرجان السيدة هاجر زروق ..إلى ندوة ' أربعينية مجلّة الإتحاف ' عبد القادر الهاني ..بحضور ثلّة مميّزة من الأساتذة الذين قدموا للجمهور فكرة عن المجلّة بمناسبة مرور أربعين سنة على تأسيسها ..وخاصة عن المرحوم رئيس تحريرها الأستاذ عبد القادر الهاني ..، كما احتفى الحاضرون بإسهاب بالمناضل عبد القادر زروق وعبد الستار الهاني ، وقد تزامن مع الندوة افتتاح المعرض الوثائقي ' كنوز من أرشيف سيدي حمادة ' ، وفي خاتمة الندوة زرنا معرضا للفنّ التشكيلي تحت عنوان ' لمسات من روح المكان ' بفضاء مدرسة مجاورة بإشراف أساتذة من المعهد الوطني للتراث …حيث عرضوا لنا نماذج من لوحات الطلبة المشاركين ..، كما تمّ يوم 26 جويلية 2025 تكريم التلامذة والطلبة والفائزين في المسابقات بمناسبة يوم العلم …
في الختام ..أوجّه تحيّة محبّة وعرفان لهيئة المهرجان وإلى رئيسته الدكتورة هاجر زروق المقيمة في الإمارات والقادمة خصّيصا لرئاسة المهرجان ..، نشكرهم جميعا على كلّ ما قدّموه من جهد لإنجاح هذه الدورة 37