اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ١ أب ٢٠٢٥
تعليقا على الزيارة الخامسة التي أدتها على عجل رئيسة الوزراء الايطالية، جورجيا ميلوني اليوم الخميس 31 جويلية إلى تونس، كتب مجدي الكرباعي الناشط في المجتمع المدني و المقيم بايطاليا ما يلي:
'أرى أن زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس، اليوم 31 جويلية 2025، والتي أُعلن عنها بشكل مفاجئ ودون إشعار مسبق، ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة. إنها خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إيطالية – أوروبية أوسع، تسعى إلى تثبيت تونس كأداة وظيفية في ملفات الهجرة والأمن، دون اعتبار لكرامة الشعب التونسي أو لمصالحه الوطنية الحقيقية.
مناورة في التوقيت: إعادة ترتيب للأولويات الإقليمية
الإعلان المفاجئ عن الزيارة، كما ورد في بيان رئاسة الحكومة الإيطالية، لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي المحتدم: زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إيطاليا، القمة الثلاثية المرتقبة غدًا في تركيا بين ميلوني، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إضافة إلى زيارة مستشار ترامب البارز، مسعد بوليس، إلى تونس. في هذا السياق، تبدو زيارة ميلوني كمحاولة استباقية لإعادة تثبيت تونس داخل المحور الأوروبي – الأطلسي، وتحييد أي توجّه محتمل نحو تحالفات جديدة.
ميلوني، التي تعلم أن الجزائر باتت شريكًا محوريًا لإيطاليا في ملف الطاقة، تسعى إلى الإبقاء على تونس كلاعب لا غنى عنه، خاصة لما توفره من موقع استراتيجي تستند إليه شبكة “ترانسميد” لنقل الغاز، وللدور الأمني الذي تؤديه في الحدّ من تدفقات الهجرة. لكن هذا “الاهتمام” لا ينبع من شراكة ندّية، بل من رغبة في استغلال الأزمة الاقتصادية التونسية لفرض إملاءات في خدمة أجندات أوروبية ضيقة.
تصريحات سعيّد نحو إيران وزيارة بوليس: رسائل مزدوجة
تصريحات قيس سعيّد الأخيرة حول تقارب محتمل مع إيران، وإن كانت في ظاهرها محاولة لتحسين شروط التفاوض مع الغرب، إلا أنها تنطوي على مخاطر جيوسياسية حقيقية. لا يمكن فصل هذه التصريحات عن زيارة بوليس، أحد أبرز رجال إدارة ترامب، لتونس. من الواضح أن واشنطن تراقب هذا الانفتاح عن كثب، وأن ميلوني – بصفتها حليفة للولايات المتحدة – جاءت في مهمة مزدوجة: إعادة تطمين الحلفاء، ومنع أي “انحراف” تونسي خارج المدار الغربي.
خطة Mattei والوعود الخادعة
في صلب زيارة ميلوني نجد ما يسمى بـ”Piano Mattei ”، التي يُراد تسويقها كأداة إنمائية، بينما هي في الحقيقة ليست سوى واجهة ناعمة لسياسات أمنية استغلالية. المساعدات الموعودة، والمقدرة بـ50 مليون يورو، لم تُترجم إلى فرص تنمية حقيقية، بل استُخدمت لتقوية الآليات الأمنية الرامية إلى صدّ المهاجرين، ومنعهم من الوصول إلى السواحل الأوروبية.
نستحضر هنا فضيحة عقود العمل “المزورة” التي وُعد بها شبابنا، والذين وجدوا أنفسهم لاحقاً موقوفين أو مُرحلين من المطارات الإيطالية. هذا النوع من الاحتيال المؤسساتي يكشف أن إيطاليا لا ترى في تونس شريكاً، بل مزوّداً بخدمات حدودية، ودولة يمكن شراء صمتها بالقليل من المال.
كلمة أخيرة
زيارة ميلوني إلى تونس ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل تجسيد لتوازنات قوى غير متكافئة، ومحاولة لفرض شروط استراتيجية في ظرفية إقليمية دقيقة. من واجبنا – كنشطاء ومواطنين – أن نرفع الصوت عالياً ضد اختزال تونس في دور أمني لا يليق بتاريخها ولا بتطلعات شبابها. فكرامتنا الوطنية لا تُقايض، ومستقبلنا لا يُبنى على وعود فارغة، بل على شراكات عادلة، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المتقاسَمة'.