اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٢ نيسان ٢٠٢٥
لم يتجاوز مخزون السدود 868 مليون متر مكعب فيما البلاد تصنف ضمن الدول الفقيرة مائياً
تتجه تونس نحو اعتماد التكنولوجيات المتطورة والحلول البديلة لمواجهة الشح المائي، إضافة إلى الترفيع في طاقة التخزين، وذلك على خلفية ندرة المياه رغم تهاطل الأمطار بكميات مرتفعة هذا الموسم.
وقال كاتب الدولة المكلف المياه حمادي الحبيب، إن تطوير التكنولوجيات في شأنه أن يسهم في إنتاج كميات كبيرة من المياه، مما يعزز الأمن الغذائي، وإن التحديات الراهنة المتعلقة بندرة المياه، بسبب الاستهلاك المرتفع وتنوع الأنشطة الاقتصادية المصاحبة لها، فضلاً عن تعاقب فترات الجفاف، تجعل من استغلال الموارد المائية غير التقليدية وأهمية ترشيد استهلاك المياه، خيارات مهمة تفرضها التحديات المستقبلية.
وتحدث عن استخدام الطاقات المتجددة التي من شأنها أن تخفض كلف تحلية المياه وتخفف من الآثار البيئية، مشيراً إلى أن الحفاظ على الموارد المائية مسؤولية مشتركة، مما يتطلب تضافر جهود الجميع لترشيد استهلاك المياه والمساهمة في حماية الموارد.
يراوح مخزون السدود التونسية مكانه من دون أن يتجاوز مستواه في عام 2024، رغم ارتفاع كميات الأمطار المتهاطلة مقارنة بالعام المنقضي، وبلغت نسبة امتلاء السدود 36.5 في المئة من طاقتها في 17 أبريل (نيسان) الجاري، بإجمال 868 مليون متر مكعب بفضل الموارد المسجلة في اليومين الأخيرين، وبلغت 20 مليون متر مكعب، لكنها تظل تسجل نقصاً بـ27 مليون متر مكعب مقارنة بمعدل المخزونات للثلاثة أعوام المنقضية.
وبالنسبة إلى مخزون السدود فبلغ منذ بداية الموسم أي في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي حتى 17 أبريل الجاري، نحو 868 مليون متر مكعب، في حين أن معدل الفترة هو مليار و546 مليون متر مكعب، أي بنقص يعادل 47 في المئة وفق المرصد الوطني للفلاحة.
ووصف كاتب الدولة المكلف المياه حمادي الحبيب وضعية المياه في تونس بـ'غير المريحة'، وقال إنها صعبة وحرجة بسبب تواتر سنوات الجفاف، رغم الأثر الإيجابي للأمطار على الزراعات المطرية.
وذكر أنه يجري العمل على التصرف في الموارد المتاحة لقضاء صيف من دون إشكاليات. وكانت تونس اعتمدت نظام الحصص في توزيع المياه على المواطنين في الصائفة الماضية من خلال قطع مياه الشرب لساعات عدة في مسعى للتقشف في الموارد المائية، وظل شبح الأزمة مخيماً رغم التحسن الطفيف في مستويات امتلاء السدود.
وكشف المرصد التونسي للمياه عن تلقي 151 تبليغاً حول انقطاع مياه الشرب في مارس (آذار) الماضي منها 135 انقطاعاً غير معلن واضطرابات في التوزيع.
وتصدرت ولاية قفصة (الجنوب الغربي) القائمة بـ39 تبليغاً تليها ولاية صفاقس بـ24 تبليغاً، كما سجلت ستة تحركات احتجاجية مطالبة بالمياه.
نصيب التونسي دون مستوى الفقر المائي
يحدد مستوى الفقر المائي بـ1000 متر مكعب للفرد الواحد سنوياً في العالم في حين ينخفض بتونس اليوم إلى حدود 430 متراً مكعباً للفرد الواحد في العام، وهو أقل من نصف الحد الأدنى العالمي للفقر المائي مما يصنف تونس ضمن الدول الفقيرة مائياً، وينتظر أن ينخفض في أفق عام 2030 عند مستوى 360 متراً مكعباً للفرد الواحد في العام وفق وزارة الفلاحة التي وضعت استراتيجية لحوكمة المياه إلى حدود 2050، تستند إلى البحث عن حلول بديلة لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وتنبني على 43 مشروعاً تتضمن 1200 إجراء، من أهمها التقليص من حجم المياه الموجهة للإنتاج الفلاحي والمقدرة حالياً بـ80 في المئة إلى 70 في المئة وتوجيه 30 في المئة المتبقية إلى مياه الشرب وقطاعي الصناعة والسياحة.
تتضمن الاستراتيجية إصلاح منظومات جلب المياه وتوزيعها عبر الترفيع من مردوديتها من 67 في المئة إلى 85 في المئة عبر إعادة هيكلة نحو 1300 كيلومتر من البنية التحتية لتوزيع مياه الشرب ومنظومة الري سنوياً، إضافة إلى مشاريع ترابط بين المياه والطاقة والإنتاج الفلاحي باستعمال الطاقات المتجددة واستغلال المياه المستعملة المعالجة في المجال الفلاحي، ثم الاستمرار في بناء 31 سداً، إضافة إلى سدود سفلية تحت الأرض لمنع التبخر وتغذية المائدة المائية.
وتبلغ كلفة الاستراتيجية ما يقارب 70 مليار دينار (23.4 مليار دينار) أي 2.7 مليار دينار (903 مليون دولار) سنوياً، وتعمل الوزارة على تعبئة الموارد المالية من الشركاء والمانحين الدوليين.
وتقدر الموارد المائية القابلة للتعبئة في تونس وفق الوزارة بنحو 4855 مليون متر مكعب سنوياً، منها 56 في المئة مياه سطحية و44 في المئة مياه جوفية، وتجري تعبئة المياه السطحية عبر السدود وعددها 38 منها 18 سداً كبيراً و20 سداً جبلياً، و200 حاجز جبلي وألف بحيرة جبلية، أما المياه الجوفية فتستغل عبر نحو 479 طبقة مائية منها 212 طبقة سطحية و267 طبقة عميقة، وتبلغ نسبة استغلالها 97 في المئة.
ويصف عضو اتحاد الفلاحة والصيد البحري، طارق المخزومي، الوضعية المائية الحالية في البلاد بـ'الحرجة' بحكم عدم ارتفاع مخزون السدود التونسية إلى 50 في المئة من طاقة استيعابها، ونبه إلى التفاوت المسجل بين السدود إذ تنخفض الموارد المائية بها إلى 22 في المئة في بعض السدود التي توجد بمناطق لم تحظَ بكميات مرتفعة من الأمطار.
وكشف المخزومي أن نسبة امتلاء سدود الشمال الغربي بلغت 42.2 في المئة مقابل 32.5 في المئة بالشمال الشرقي بمحافظة نابل و13.9 في المئة بالوسط بكميات بلغت 865 مليون متر مكعب، بتحسن طفيف مقابل 832 متراً مكعباً يوم 17 أبريل 2024، وفسر عدم الاستفادة من ارتفاع كميات التساقطات المطرية هذا الموسم بانعدام السدود بالمناطق التي حظيت بالكميات الكبيرة من الأمطار وهي محافظات الجنوب التونسي.
ورغم التحسن النسبي في الاحتياطات الباطنية، نبه المخزومي إلى ضرورة مراجعة تقنيات التخزين وترشيد الاستهلاك من طريق اعتماد الطرق الذكية في الري والغراسة خارج التربة ومعالجة المياه المستعملة، وتركيز محطات تحلية إضافية.
يذكر أنه جرى افتتاح ثلاث محطات تحلية لمياه البحر في العام المنقضي، إضافة إلى محطتين سابقتين وتستعد الشركة الوطنية لتوزيع المياه لإنجاز أربع محطات إضافية.
غياب المقاربة التنموية الشاملة
أعلنت السلطات المعنية أنها بصدد تشييد 4 سدود جديدة في الشمال الغربي التونسي، لمعالجة شح المياه من دون كل الطرق المستحدثة وفق الأكاديمي والمتخصص في التنمية حسين الرحيلي الذي ذكر في حديثه إلى 'اندبندنت عربية' أن أساليب تجميع المياه تعددت وتطورت في الأعوام الأخيرة بينما ظلت المقاربة التونسية سجينة الطرق القديمة التي تعود إلى أوائل القرن الماضي وهي بناء السدود، والحال أن شح المياه في تونس تطور إلى إشكالية تحتاج إلى تنزيلها في مقاربة تنموية شاملة تشاركية بين المواطنين والمؤسسات الخاصة والعمومية، تنبثق عن حوار بين جميع الأطراف، وأساسها تثمين المياه المستعملة من طريق المعالجة وتجميع مياه الأمطار لدى الأفراد والجماعات، واصطدم هذا المشروع بتعقيدات إدارية بأن أعلنت وزارة التجهيز عن شروط للحصول على قروض للمواطنين في هذا الصدد، وتخصيص موازنة في حدود مليوني دينار (668 ألف دولار) عام 2024 لدعم طرق التخزين لدى المواطنين من دون أن تصرف.
في المقابل اعتمدت وزارة الفلاحة على مكاتب أجنبية في دراساتها على غرار مكتب الدراسات الألماني عند وضع استراتيجية 2050 للمياه وهي غير ملمة بالخصوصيات التونسية، إذ تغيرت الخريطة المطرية في تونس في الفترة الأخيرة، مما حال دون تخزين كميات مهمة من المياه التي تركزت بمناطق لا تتركز فيها سدود أو وسائل تخزين ولم يعد من المجدي اعتماد المقاربات القديمة المرتكزة فقط على بناء السدود في ظل هذه المستجدات الخارجة عن نطاق الجميع بحكم ارتباطها بالتغيرات المناخية وفي ظل الإجهاد المائي الحاصل في تونس، وفق المتحدث.