اخبار تونس
موقع كل يوم -جريدة الشروق التونسية
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
جاءت مبادرة «قافلة الصمود» لترسّخ المكانة الرفيعة للقدس في ضمير الشعب التونسي وتسكب زخّات من الحياء على وجوه الحكام العرب الملطخة نفوسهم بخذلان صوت الحق المندفع من أرض فلسطين. وربما يدرك الشعب التونسي أكثر من غيره أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الذات وهو الذي أوفد في ذروة معركة التحرير الأولى 12 ألف متطوّع للمشاركة في حرب 1948 مثلما أوفد 80 عائلة للدفاع عن بيت المقدس في الحرب المقدسة التي قادها «صلاح الدين الأيوبي» لصد الحملة الصليبية العظمى التي قادها ملوك أوروبا في نهاية القرن الثاني عشر. وبالنتيجة لا يمكن أن تخرج هذه القافلة إلا من تونس التي يلتقي فيها الموقف الرسمي الرافض للاعتراف بالكيان الصهيوني مع المزاج الشعبي الرافض لكل أشكال الظلم والقهر وهو ما يجعل منها قلعة أمل وعزة وسط هذا المشهد العربي الكئيب والمظلم المنبثق عن تآكل الاحساس بالكرامة وسطوة أنظمة تستمدّ شرعيتها من التفاني في خدمة الحركة الصهيونية المعادية للإنسانية.
وعلى هذا الأساس يخطئ من يعتقد أن «قافلة الصمود» مجرّد مبادرة رمزية فالشعب الفلسطيني يحتاج إلى كل كلمة حق وكل حركة تشعره أنه ليس وحده في هذه المرحلة الدقيقة التي تعبّر عن ذروة التصادم بين مسارين متضادين فمثلما تشكل فلسطين أول حصن للدفاع عن حرية الانسان وعالم القيم يمثل الكيان الصهيوني آخر قلعة للدفاع عن الامبريالية العالمية المتوحشة التي تشير مجمل التطوّرات إلى أنها بصدد التفكك الممهد للانفجار من الداخل.
ورغم كل أشكال المعاناة غير المسبوقة في التاريخ القديم والحديث فإن الشعب الفلسطيني الأبي يتمتع بأسبقية الحق الذي لا يسقط بالتقادم والتفاعل الحاصل بين صموده الأسطوري واستفاقة البشرية في كل أنحاء المعمورة تعبيرا عن ثورة إنسانية عارمة لن توقفها أي قوّة غاشمة. وربما يدرك الشعب التونسي أكثر من غيره خصوصية ومتطلبات هذا الشوط الأخير في معركة القدس وهو الذي قاوم طيلة عشرية كاملة مشروع إسرائيل الكبرى الذي عبرت عنه أجندا الربيع العبري مستمدا صبره وصموده من إرثه التاريخي العريق والمجيد. وبالمحصّلة تمضي قافلة الصمود من تونس لتمسح العار الذي يتسبب فيه تزعّم المجتمعات الغربية لمبادرة كسر الحصار عن غزة وتضغط على الحكام العرب المتقاعسين والمتخاذلين الذين يعجزون عن ايصال شحنة غذاء أو دواء لإخوانهم في فلسطين الصامدة ويهملون رسائل التاريخ التي تؤكد أن انتصار الحق في فلسطين قادم لا محالة وأن كل من يدافع عن الكيان الصهيوني سيغرق معه حتما.