اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٤ نيسان ٢٠٢٥
'نستطيع' أول منصة رقمية لتشغيلهم ومطالبات بتوفير بيئات عمل آمنة تقيهم شر التنمر
على رغم أن الدستور التونسي لعام 2022 تضمن أحكاماً تمنع التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، ونص على تحقيق الاندماج الكامل في المجتمع، فإن واقع الحال يعكس صعوبات كبرى تواجهها تلك الفئة في سوق الشغل، بالنظر إلى بعض التشريعات التي تشترط اللياقة والقدرة البدنية عند التوظيف، علاوة على الثقافة المجتمعية السائدة التي لا تؤمن بالشمولية.
وينص القانون التوجيهي رقم 83 لعام 2005 على ضرورة تشغيل اثنين في المئة من ذوي الاحتياجات الخاصة في كل مؤسسة عامة أو خاصة تشغل 100 شخص أو أكثر، إلا أنه لا يزال أصحاب العمل يطلبون مؤهلات خاصة، وهو ما اعتبر من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة نوعاً من الإقصاء.
عقلية مجتمعية ترفض الاختلاف
وليد بن ميلاد، كفيف (40 سنة) تخرج في الجامعة، اختصاص رياضيات، طرق أبواباً عدة بحثاً عن عمل إلا أن محاولاته باءت بالفشل، تحدث عن رحلاته مع المؤسسات التي تردد عليها، وبابتسامة ممزوجة بالحسرة والألم يستحضر أحد المواقف، قائلاً 'طُردت من أمام مؤسسة تعليمية خاصة، أين أردت تقديم مطلب تشغيل كأستاذ رياضيات، تعرضت للتنمر، وقيل لي (كيف ستدرس وأنت أعمى)؟'.
اليوم وليد يعمل في جامعة تونس، بعد أن استكمل المرحلة الثالثة، إلا أن ما تعرض له من صعوبات على رغم التشريعات والنصوص القانونية يؤكد أن الثقافة المجتمعية لا تقبل الاختلاف.
حال وليد لا تختلف عن حال عربية الماجري، خريجة مؤسسة تكوين مهني تحمل إعاقة عضوية، تعمل في مؤسسة عالمية خاصة منتصبة في تونس لصنع البطاقات الإلكترونية.
اعتمدت عربية على جمعية مدنية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة التي ساعدتها على تحصيل شغل بعد أن عملت في مؤسسات عدة، تقول إن 'بيئة العمل غير مهيأة تماماً لذوي الاحتياجات الخاصة، كذلك يرفض أصحاب المؤسسات التي عملت فيها تهيئة فضاء العمل لتلك الفئة'، مضيفة 'أتعرض يومياً للتنمر في محيط العمل وعند عودتي إلى المنزل'.
اعتادت عربية على هذا السلوك آملة في أن تتغير العقلية المجتمعية تجاه هذه الفئة مع الأجيال القادمة، داعية إلى مزيد من الاهتمام بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتفعيل القوانين، ومنتقدة التأخير في تنظيم مناظرات خاصة بتشغيلهم في القطاع العام.
وأمام هذا الواقع الرافض لاندماج ذوي الاحتياجات الخاصة اقتصادياً، تقدر الدراسات أن نسبة البطالة في تلك الفئة تتجاوز 80 في المئة، وذلك على رغم الامتيازات التي منحها المشرع للمؤسسات التي تشغل هذه الفئة، كالإعفاء من نسبة كبيرة من مساهمة تلك المؤسسات في الضمان الاجتماعي.
القوانين وحدها لا تغير الواقع
يؤكد أستاذ علم الاجتماع، في الجامعة التونسية، بالعيد أولاد عبدالله، في تصريح خاص أن 'القوانين وحدها لا يمكنها تغيير الثقافة المجتمعية السائدة'، مستحضراً 'عديد الآليات التي وضعتها الدولة كالنصوص القانونية وآليات التشغيل، والبطاقات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل تيسير اندماجهم، إلا أن بيئات العمل تعاني صعوبات كبيرة منها ما يتعلق بالثقافة المجتمعية الرافضة للاختلاف، ومنها ما يتعلق بالمؤسسات التي تعاني صعوبات اقتصادية ولا تلتزم انتداب هذه الفئة، وفق ما ينص عليه القانون'.
ويدعو المتخصص الاجتماعي ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم إلى كسب المهارات العالية لتيسير اندماجهم وضمان المردودية العالية في عملهم، لتذويب الصورة النمطية عن هذه الفئة في ذهنية أصحاب المؤسسات'، لافتاً إلى أن 'الوضع الاقتصادي المتردي دفع بعدد من المؤسسات الاقتصادية إلى البحث عن عقود عمل هشة بدل توظيف كفاءات بشكل دائم'.
ويضيف أولاد عبدالله أن 'القانون لا يمكن تطبيقه في الوقت الراهن لأن أغلب النسيج الاقتصادي في تونس يتكون من مؤسسات صغرى ومتوسطة معدل عدد عمالها بين 70 و100 عامل، بينما يشترط القانون تخصيص نسبة اثنين بالمئة من مواطن الشغل لذوي الاحتياجات الخاصة للمؤسسات التي يفوق عدد عمالها 100 عامل'.
منصة رقمية للتشغيل
ولتسهيل إدماجهم في سوق الشغل أطلقت جمعية 'غاية' الضيعة التربوية في سيدي ثابت بمحافظة أريانة، المنصة الرقمية 'نستطيع' لتشغيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تعد الأولى من نوعها في تونس، وهي مفتوحة مجاناً لجميع الأشخاص من تلك الفئة وتوفر لهم فضاء إلكترونياً يمكنهم من إرسال سيرهم الذاتية، والبحث عن فرص عمل مناسبة بعد القيام بعملية التسجيل في المنصة، كذلك تتيح المنصة للمؤسسات الخاصة إمكانية نشر عروض الشغل، مما يجعلها فضاء تفاعلياً بين العرض والطلب.
وتوضح رئيسة الجمعية ليلى قاسمي في تصريح خاص أن 'الفكرة انبثقت من تجربة ميدانية ناجحة للجمعية التي تمكنت خلال الأعوام الماضية من توظيف أكثر من 30 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع كثير من المؤسسات'.
وأشارت إلى أن 'هذه البادرة تندرج ضمن مسار تفعيل القوانين الوطنية المتعلقة بتشغيل هذه الفئة، وبخاصة القانون التوجيهي رقم 83 لعام 2005'، داعية المؤسسات إلى 'توفير بيئة عمل ملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة ومعتبرة أن العقلية المجتمعية والمؤسساتية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة بدأت تتغير'.
وتقدم الجمعية، التي بدأت نشاطها عام 2009، من خلال الضيعة التربوية بسيدي ثابت، أنموذجاً مبتكراً يدمج التكوين المهني في المجال الفلاحي، والدعم النفسي، ضمن رؤية تقوم على الاندماج الكامل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في النسيج المجتمعي والاقتصادي.
ملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاق الدولية
في المقابل، تعهدت وزارة التكوين المهني والتشغيل بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية في بيانات رسمية، بالتسريع في ملاءمة التشريعات الوطنية وخصوصاً القانون التوجيهي عدد 83 لعام 2005 لمقتضيات الاتفاق الدولي لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بما يتناسب مع أحكام الدستور، وتطويع برامج التكوين المهني العمومي لخصوصية فئة طالبي التكوين من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كما فتحت وزارة الشؤون الاجتماعية في بداية العام الحالي مناظرة لانتداب 197 من ذوي الاحتياجات الخاصة في القطاع العام.
ويحصل طالبو الشغل من ذوي الاحتياجات الخاصة في تونس على منحة خصوصية بقيمة 50 ديناراً (17 دولاراً)، إضافة إلى المنحة التي يتمتعون بها كطالبي شغل وقدرها 150 ديناراً (50 دولاراً)، إذا كانوا من حاملي الشهادات العليا، و100 دينار (33 دولاراً) إذا كانوا من مستويات تعليمية أخرى.
ويذكر أن الصالون الأول لتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة وفر أكثر من 600 موطن شغل لفائدة حاملي الشهادات العليا وغيرها من المستويات التعليمية من ذوي الاحتياجات الخاصة قدمته 56 مؤسسة اقتصادية.
يرغب ذو الاحتياجات الخاصة في العمل في بيئة آمنة يختارها بإرادته، تقيه من التنمر والإقصاء وعدم المساواة في المسار المهني، وهو ما يدعو إلى فرض بيئات عمل شمولية وملائمة تستوعب التنوع والاختلاف بين العاملين والعاملات وبخاصة منهم ذوو الاحتياجات الخاصة، علاوة على دفع المؤسسات إلى مزيد من التعويل على هذه الفئة التي أثبتت مهاراتها في مجالات عدة.