اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
ترتبط البلاد بحدود برية تبلغ 6800 كيلومتر مع سبع دول
تواجه دول جوار السودان وضعاً معقداً على إثر سقوط مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إذ تتزايد التحديات الأمنية بالنسبة إلى تلك الدول، ومن أبرزها تشاد ومصر وكذلك الصومال على رغم أنها ليست جارة مباشرة. واضطرت السلطات التشادية إلى غلق معبر أدري الحدودي، بعد أن قام زعيم ميليشيات متحالف مع قوات 'الدعم السريع' بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ'حميدتي' بإنشاء بوابة لتحصيل رسوم جمركية على البضائع التي يجري إدخالها من تشاد.
من جانبها، أقرت الصومال على لسان وزير دفاعها أحمد معلم فقي باستخدام مطار مدينة بوصاصو في ولاية بونتلاند لنقل مرتزقة إلى السودان في تطور يكشف عن حجم العقبات الأمنية التي باتت تواجهها دول الجوار مع توسع دائرة الصراع بين 'الدعم السريع' والجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان.
ومنذ انطلاق الحرب في عام 2023، انحسرت مخاوف دول الجوار من أزمة إنسانية قد يفرزها التصعيد في السودان، لكن المخاوف الآن تصاعدت من تداعيات أمنية أيضاً لهذه الحرب.
وترتبط السودان بحدود برية تبلغ 6800 كيلومتر مع سبع دول هي: جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، ومصر، وليبيا.
الصحافي والباحث السياسي السوداني بهاء الدين عيسى عطا المنان عد أن 'ما حدث في تشاد وإعلان الصومال يشكلان مشهداً يجسد حجم الارتباك الأمني والسيادي الذي تسببه الحرب السودانية لدول الجوار، إذ لم يعد الصراع شأناً داخلياً، بل تمدد عبر الحدود، مما يهدد توازن الإقليم بأكمله'، وتابع المنان أن 'تشاد التي حاولت التزام الحياد وجدت نفسها في مرمى الاتهامات، بين ضغوط الخرطوم التي تتهمها بدعم ’الدعم السريع‘، وهواجس داخلية من تسلل المقاتلين والأسلحة، مما جعلها أمام معضلة صعبة: كيف تحمي حدودها من دون أن تحسب على طرف؟ وفي تطور مواز، اعترف وزير الدفاع الصومالي باستخدام مطار بوصاصو لنقل مرتزقة إلى السودان، مما كشف عن بعد خفي في الحرب السودانية، يتمثل في اقتصاد المرتزقة وشبكات النقل العابرة للحدود. وعلى رغم تبرؤ الحكومة الصومالية من العملية، إلا أن الحادثة أظهرت هشاشة المنظومة الأمنية في القرن الأفريقي، وأعادت طرح السؤال: هل يتورط بعض الدول في الحرب من دون قصد؟ أم أن أطرافاً داخلية تسهم فيها في مقابل مكاسب مالية أو سياسية؟'.
ولفت الصحافي والباحث السياسي السوداني إلى أن 'سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر مثلت منعطفاً خطراً، إذ منحت الميليشيات منفذاً استراتيجياً نحو مثلث أدري مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، مما أحرج دول الجوار التي تخشى التعامل مع كيان خارج الدولة، لكنها مضطرة إلى التكيف مع واقع جديد يفرض نفسه على الأرض، فهذه السيطرة أعادت رسم خريطة النفوذ في غرب السودان، وفتحت الباب أمام سباق خفي بين قوى إقليمية تبحث عن موطئ قدم في مسرح يتغير بسرعة'، وأكد المنان أن 'دول الجوار من مصر إلى إثيوبيا، ومن جنوب السودان إلى تشاد تحاول السير على خيط دقيق بين الحياد المعلن والمصالح المضمرة، فمصر تميل لدعم الجيش خشية تمدد الفوضى جنوب حدودها، وإثيوبيا تراقب الموقف بقلق بسبب حساسيات إقليم بني شنقول، بينما يخشى جنوب السودان على صادراته النفطية، وتعاني ليبيا وأفريقيا الوسطى تهريب السلاح والمقاتلين عبر الحدود المفتوحة، هكذا تتحول الحرب السودانية إلى نظام ضغط إقليمي متكامل، يجعل الحياد الحقيقي شبه مستحيل'.
ووجدت دول جوار السودان نفسها مجبرة على التعامل مع وضع إنساني وسياسي صعب، إذ لجأ ونزح ملايين إليها جراء الاشتباكات المسلحة الدائرة في السودان بين 'الدعم السريع' والجيش، وهي اشتباكات تخللتها فظائع كبرى. واعتبر الباحث السياسي في الشؤون الدولية نزار مقني أن 'دول الجوار السوداني تتعامل مع الحرب، وكأنها تحاول حمل قنبلة موقوتة بيدين مربوطتين، فكل دولة لديها هواجسها وحدودها ومصالحها، والنتيجة خليط من الحذر، التورط غير المقصود، وأحياناً التناقض الصريح بين ما تقوله وما تفعله'، وتابع مقني في تصريح خاص 'أولاً: تشاد، إغلاق معبر أدري ليس مجرد قرار إداري، فهو رسالة سياسية تقول إن هذه الحرب لم تعد داخل حدودكم فقط، بل بدأت تلطخ أحذيتنا، فعندما ينصب قائد ميليشيات تابع للدعم السريع بوابة جمركية على الحدود، فهذا يعني أنه يتصرف كدولة ذات سيادة، وأنه يمس المصالح الاقتصادية لتشاد، وأن الحدود تحولت من مجرد خط على الخريطة إلى نقطة نفوذ وابتزاز'، وبين أن 'تشاد لا تريد أن تظهر بأنها تتعامل مع دولة جديدة اسمها الدعم السريع، وبالتالي أغلقت المعبر لمنع خلق واقع حدودي جديد، وهذه أيضاً محاولة يائسة لتجنب الانجرار في الصراع، على رغم أن تشاد عملياً متورطة منذ اليوم الأول بحكم القبائل العابرة للحدود والتهريب واللاجئين والتحالفات القديمة مع حميدتي'. ومضى قائلاً 'ثانياً، الصومال وتحديداً بونتلاند، فتصريح وزير الدفاع بأن مطار بوصاصو استخدم لنقل مرتزقة إلى السودان يعتبر اعترافاً يفضح المستور، فالحرب السودانية تحولت إلى سوق مفتوحة للمرتزقة والخدمات اللوجستية، وعلى رغم أن الصومال ليست دولة جوار، إلا أنها دخلت الدائرة من بوابة التسهيلات الجوية'، وأكد مقني أن 'بعض الدول ينخرط في الحرب حتى من دون قصد، لأن شبكات النفوذ والمال والسلاح تتجاوز الجغرافيا، كل ما تحتاج إليه الحرب هو مطار على استعداد أن يغلق عينيه في مقابل تحويلة مالية أو وعود سياسية'.
تفاقمت مخاوف دول الجوار السوداني مع سيطرة 'الدعم السريع' في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على مدينة الفاشر الاستراتيجية وانتقال المعارك إلى كردفان، حيث يعتقد مقني أن هذا التطور يشكل 'إحراجاً' لهذه الدول. وقال إن 'الفاشر شرفة مفتوحة على حدودها، وإذا تحولت إلى مركز نفوذ للدعم السريع، فستصبح تشاد عملياً محاطة، ومصر ترى أن سقوط الفاشر يعني ضعف الجيش السوداني الذي تراهن عليه، وبالفعل من خلال سيطرتها على الفاشر تمسك الدعم السريع بورقة استراتيجية اسمها مفتاح دارفور، ومن يملك دارفور تصبح لديه قدرة على التحكم في التجارة نحو غرب أفريقيا، وإدارة طرق التهريب، وامتلاك ممر نحو ليبيا وتشاد والنيجر، والأهم التحكم بثروة كبيرة معدنية ومنجمية وطاقية، بمعنى آخر الفاشر ليست مدينة فهي عقدة جغرافية سياسية'، واستنتج مقني أن 'الحرب السودانية الآن مثل دوامة، كل من يقترب منها ينجر معها حتى لو جاء فقط ليتفرج، وفي اعتقادي المشهد المقبل إقليمياً سيفرز تحول الحدود إلى خطوط اشتباك سياسية واقتصادية، وأن تصبح دارفور محور الصراع الإقليمي بدل الخرطوم'.


























