اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٦ أب ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
- الفيصل:المملكة 'لا يمكن أن تطبع مع مجرم حرب ومهووس بالإبادة الجماعية'.
- السعودية تقول إن مبادرة السلام العربية لا تزال مطروحة على الطاولة.
في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة ومحاولات واشنطن إعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، يواجه مشروع التطبيع بين السعودية و'إسرائيل' أكبر اختباراته منذ طرحه في أروقة السياسة الدولية.
الضغوط الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لإحياء مسار اتفاقيات أبراهام وضم الرياض إلى قائمة الدول المطبعة، تصطدم اليوم بواقع سياسي وأمني شديد التعقيد، تتصدره حرب غزة المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، والتصريحات التوسعية الإسرائيلية، وغياب أي التزام بخطط السلام المطروحة.
ومنذ العام 2002، وضعت السعودية إطاراً واضحاً لموقفها من 'إسرائيل' عبر مبادرة السلام العربية، التي تربط إقامة أي علاقات دبلوماسية أو اقتصادية بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، إلا أن الرياض ورغم تزايد الضغوط لتجاوز هذه المبادرة، خصوصاً في ظل تسارع بعض دول المنطقة نحو التطبيع.
موقف جديد
في مقابلة مطولة مع شبكة 'سي إن إن' الأمريكية، أوضح الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، أن المملكة 'لا يمكن أن تطبع مع مجرم حرب ومهووس بالإبادة الجماعية'، في إشارة صريحة إلى نتنياهو.
وأكد أن السعودية ليست بصدد مراجعة موقفها في ظل استمرار الحرب على غزة، مشيراً إلى أن مبادرة السلام العربية لا تزال مطروحة على الطاولة، إلى جانب خطة سعودية–فرنسية تم تقديمها خلال مؤتمر حلّ الدولتين في نيويورك أواخر شهر يوليو الماضي.
هذه الخطة تتضمن، بحسب الفيصل، إنشاء سلطة حاكمة في غزة تحت إدارة السلطة الفلسطينية، مع إعادة الإعمار وعودة الحياة المدنية، بما يمنح سكان القطاع أملاً في المستقبل.
كما شدد الأمير تركي على أن القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن يجب أن تكون أساس أي تسوية، وأن تجاهلها لصالح مكافأة المعتدي يشكل سابقة خطيرة في النظام الدولي، مشيراً إلى أن التاريخ السعودي في دعم السلام يمتد لعقود، بدءاً من مبادرات وقف إطلاق النار، مروراً بالدعم المالي والسياسي للفلسطينيين، وصولاً إلى الجهود الدبلوماسية المشتركة مع فرنسا ودول أخرى لاحتواء التصعيد الأخير.
وسبق أن قال الأمير محمد بن سلمان في لقاء مع نائب الرئيس الفلسطيني حسن الشيخ في مايو الماضي، أن المملكة لن تعترف بـ'إسرائيل' إلا بعد وضع مسارات لإعلان دولة فلسطين وفق 'سكاي نيوز'.
مؤتمر نيويورك
وشكل مؤتمر نيويورك، الذي عُقد بحضور ممثلين عن أكثر من 30 دولة، محطة بارزة في هذه الجهود، حيث ناقش المشاركون خطط إعادة إعمار غزة وتعزيز الدعم الاقتصادي لفلسطين.
وأعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، على هامش المؤتمر، أن التنسيق مع باريس أسفر عن اتفاق لتأمين تحويل 300 مليون دولار من البنك الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني، مع التركيز على إعادة بناء المؤسسات المدنية وتمكينها من إدارة شؤونها بعيداً عن الاحتلال.
لكن هذه المبادرات تصطدم برفض أمريكي–إسرائيلي واضح، إذ تجاهلت إدارة ترامب ونتنياهو مخرجات المؤتمر، وتمسكت بموقفها المعارض لأي التزامات بشأن إقامة دولة فلسطينية، وبدلاً من ذلك، صعدت الحكومة الإسرائيلية خطواتها الاستيطانية في القدس والضفة، في وقت تستمر فيه العمليات العسكرية في غزة بلا أفق سياسي واضح.
السعودية، التي تقود في هذه المرحلة جهوداً لوقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي جديد، تجد نفسها أمام مشهد دولي منقسم، حيث تركز واشنطن على أولويات أخرى، بينما تسعى تل أبيب لفرض أمر واقع جديد على الأرض.
وفي حين يصر ترامب على أن انضمام الرياض إلى اتفاقيات أبراهام سيعزز الاستقرار بعد 'القضاء على الترسانة النووية الإيرانية'، ترد الرياض بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن حلّ القضية الفلسطينية من جذورها.
الخليج ونتنياهو
دول خليجية أخرى، مثل الكويت وقطر، دعمت الموقف السعودي الرافض للتطبيع في ظل الظروف الحالية، وحذرت من أن تصريحات نتنياهو حول 'إسرائيل الكبرى' ليست مجرد خطاب دعائي، بل تمثل جزءاً من أجندة توسعية تهدد المنطقة بأكملها.
كما شددت هذه الدول على أن أي تقارب مع 'إسرائيل' الآن سيُفسر كمنح شرعية لسياسات الاحتلال، وهو ما يتعارض مع مصالح الأمن القومي العربي.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن أحلام نتنياهو بضم السعودية إلى دائرة التطبيع قد تلقت ضربة قاسية، خاصة مع تحول الموقف السعودي إلى محور إجماع خليجي وعربي أوسع، فبدلاً من أن يكون مسار التطبيع أداة لتعزيز الاستقرار، بات يُنظر إليه كمصدر إضافي للتوتر إذا لم يُربط بخطوات سياسية ملموسة نحو حلّ عادل وشامل للصراع.
وبينما يواصل نتنياهو الترويج لرؤيته التوراتية لـ'إسرائيل الكبرى'، والتي تشمل أراضي في السعودية والكويت وسوريا ولبنان والعراق، تتزايد التساؤلات حول مستقبل المنطقة إذا ما استمرت هذه السياسات.
ومع استمرار الحرب في غزة، وتصاعد الخطاب التوسعي الإسرائيلي، ورفض مبادرات السلام الدولية، يبدو أن الطريق نحو التطبيع مسدود في المدى المنظور، وأن أي تغيير في هذا المسار لن يأتي إلا من خلال تحول جذري في السياسات الإسرائيلية.
مبدأ ثابت
وفي قراءته لكل هذه المعطيات،قال الخبير بالشأن الإسرائيلي حسين الديك،إن التصريحات الأخيرة للأمير تركي الفيصل 'مهمة ومسؤولة، وتعبر عن الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية، وعن وقوفها التاريخي إلى جانب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية'.
وأضاف الديك في تصريح لـ'الخليج أونلاين': 'هذه التصريحات تمثل الموقف الرسمي والشعبي السعودي معاً، فالمملكة تقف على مبدأ ثابت هو دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وحق تقرير مصيره على أراضي 1967، ولن يكون هناك أي تطبيع مع شخص مهووس بالإبادة مثل بنيامين نتنياهو وحكومته التي تواصل القتل والتدمير والإبادة في قطاع غزة'.
وأشار الديك إلى أن فكرة 'إسرائيل الكبرى' تعود إلى جذور تاريخية مثبتة في التوراة والتلمود، استناداً إلى 'الوعد الإلهي بحدود تمتد من النيل إلى الفرات'، وهي أفكار جرى تعزيزها في الفكر السياسي الإسرائيلي ورموز الدولة مثل النشيد الوطني والعلم.
وأوضح أن رفض حكومة الاحتلال لمبدأ حل الدولتين، واصطفاف الموقف الأمريكي معه في تجاهل مخرجات مؤتمر نيويورك الذي عُقد بمبادرة سعودية–فرنسية، 'يعكس تطابقاً كاملاً بين واشنطن وتل أبيب، في مقابل موقف أوروبي بدا أكثر ميلاً إلى التوافق في السابق'.
وتابع قائلاً: 'اليوم تواصل حكومة الاحتلال تنفيذ ما اتفق عليه الائتلاف الحاكم، وهو ما يسمى بخطة الحسم، التي تعهدت بها الصهيونية الدينية وخاصة وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش، لحسم موضوع الضفة الغربية عبر الاستيطان والضم'.
ولفت الديك إلى أن من أبرز هذه المشاريع الاستيطانية مشروع E1 الاستطياني الذي يفصل الضفة بين الوسط والجنوب، وخاصة في محيط القدس والعيزرية والسواحرة والزعيم، بما يربط مستوطنة معاليه أدوميم ببقية مستوطنات القدس.
وأكد الخبير أن ما يحدث في غزة 'يمثل استمراراً لجريمة الإبادة الجماعية من خلال الحصار والعمليات العسكرية، وما عرف بالخطة الأخيرة لمجلس الوزراء الإسرائيلي للسيطرة على غزة ومخيمات الوسطى، عبر التجويع والقتل والتدمير'.
وختم بالقول: 'الاستهداف الممنهج للمدنيين والمستشفيات والبنية التحتية في غزة هو تجلٍ واضح لجريمة الإبادة الجماعية وفق اتفاقية روما 1998، ورغم النداءات الدولية، ما تزال إسرائيل ماضية في مخططاتها التوسعية والإبادية'.










































