اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ١١ أيار ٢٠٢٥
في سابقة قضائية قد تغير وجه العدالة إلى الأبد، شهدت قاعة محكمة في ولاية أريزونا الأمريكية لحظة درامية حبست الأنفاس: كريس بيلكي، الرجل الذي سقط ضحية لغضب قاتل على الطريق، 'نهض' ليتحدث خلال جلسة النطق بالحكم على قاتله.
لم يكن شبحًا، بل تجسيدًا رقميًا نابضًا بالحياة، أعادته عائلته إلى 'الحياة' باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليقرأ بصوته بيان تأثير الضحية، في مشهد يُعتقد أنه الأول من نوعه في المحاكم الأمريكية.
تعود فصول هذه الجريمة إلى ليلة 13 نوفمبر 2021، عندما توقفت سيارتا كريس بيلكي وغابرييل بول هوركاسيتاس عند إشارة مرور حمراء. وبحسب السجلات، ترجّل بيلكي من شاحنته متوجهًا نحو سيارة هوركاسيتاس، ليُردى قتيلًا برصاصة هوركاسيتاس.
والآن، وبعد سنوات من الإجراءات القانونية، وبصوت بدا وكأنه صوت بيلكي الحقيقي، أخبرت 'النسخة الرقمية' منه القاتل خلال جلسة النطق بالحكم الأسبوع الماضي: 'إنه لمن المؤسف أن نلتقي في مثل هذه الظروف… ربما كنا لنصبح صديقين في حياة أخرى'. ثم، وفي لفتة تعكس شخصية الرجل الذي عرفه أحباؤه، أضاف: 'أؤمن بالمغفرة وبالله الذي يغفر. لطالما آمنت بذلك وما زلت'.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قدم 'بيلكي الرقمي' نصيحة للحضور بالاستفادة القصوى من كل يوم وأن يقدموا الحب لبعضهم البعض، لأن لا أحد يعلم كم من الوقت تبقى له.
وراء هذه الخطوة الجريئة تقف ستايسي ويلز، شقيقة بيلكي. فلسنوات، وبينما كانت القضية تشق طريقها في النظام القانوني، كافحت ستايسي لتدوين الكلمات التي تود قولها. لكن عندما فكرت فيما كان سيقوله شقيقها لقاتله، مدركةً أنه كان سيسامحه، تدفقت الكلمات منها.
'لقد تعاملنا مع هذا الأمر بأخلاقيات ومبادئ، لأنها أداة قوية'؛ قالت ستايسي، مضيفةً: 'تمامًا كما يمكن استخدام المطرقة لكسر نافذة أو هدم جدار، يمكن أيضًا استخدامها كأداة لبناء منزل، وهكذا استخدمنا هذه التكنولوجيا'.
القاضي تود لانغ، الذي ترأس الجلسة، لم يخفِ إعجابه، قائلًا: 'أحببت هذا الذكاء الاصطناعي'، مشيرًا إلى أن الفيديو يعكس شيئًا عن عائلة بيلكي التي عبرت عن غضبها وطالبت بأقصى عقوبة لهوركاسيتاس، الذي أُدين بالقتل الخطأ وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات ونصف.
لكن المشهد لم يمر دون جدل. فقد سارع محامي هوركاسيتاس، بتقديم إشعار لاستئناف الحكم، مشيرًا إلى أن محكمة الاستئناف ستنظر فيما إذا كان القاضي قد اعتمد بشكل غير لائق على فيديو الذكاء الاصطناعي عند إصدار الحكم.
وتفتح هذه الحادثة الباب على مصراعيه أمام تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة. فبينما يتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي ليشمل المهام الإدارية والبحث القانوني، فإن استخدامه لتوليد بيانات تأثير الضحايا يمثل أداة جديدة – وقانونية في أريزونا على الأقل – خارج مراحل تقديم الأدلة.
وقد دفعت شعبية الذكاء الاصطناعي وسهولة الوصول إليه في السنوات الأخيرة المحكمة العليا في أريزونا إلى تشكيل لجنة للبحث في أفضل الممارسات لاستخدامه في المحاكم.
غاري مارشانت عضو اللجنة وأستاذ القانون، حذر في تصريحات لشبكة CBC News من أن هذه التكنولوجيا قد تفتح الباب أمام محاولات إدخال أدلة مولدة بالذكاء الاصطناعي، قائلًا: 'هناك قلق حقيقي بين القضاة والمحامين من أن أدلة التزييف العميق (deepfake) ستُستخدم بشكل متزايد. من السهل إنشاؤها ويمكن لأي شخص القيام بذلك على هاتفه، ويمكن أن تكون مؤثرة بشكل لا يصدق لأن القضاة وهيئات المحلفين، مثلنا جميعًا، معتادون على تصديق ما يرونه'.
ويبقى السؤال: هل نشهد بداية عصر جديد حيث 'يتحدث' الموتى في قاعات المحاكم، أم أننا على أعتاب تحديات أخلاقية وقانونية قد تزعزع أسس العدالة نفسها؟