اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٩ أذار ٢٠٢٤
حسين الحربي
الاشتغالات الفكرية والفلسفية والتنقّل بينها عمل مُضْن يحتاج إلى جانب الدأب والمثابرة إلى ذهن وقّاد قادر على سبر المفاهيم والمصطلحات، ومقاربة ما يعترض تلك القراءات بروح مثابرة لا تعرف الكلل. في إصدارات الكاتب محمد عبدالله الغامدي يستوقفك النّفَس الفلسفي العميق، وهو ملمح يعكس الاتّكاء على خزين ثقافي وفكري عميق.
ومع أن محمد الغامدي انغمس في العمل الصحفي منذ بواكير شبابه؛ إلا أن الصحافة، ذلك العِلْق الجشع الذي يلتهم كل شيء، لم تستطع الصحافة ومهنة المتاعب أن توقف شغفه القرائي والكتابي في الآن نفسه، والدليل هو سلسلة الإصدارات التي أنتجها الكاتب، والتي تنوّعت ما بين القصة والرواية والعمل الفكري الفلسفي.
محمد الغامدي خريج جامعة أم القرى (إعلام وصحافة) توّج مسيرته بحضور ثقافي وصحافي لافت؛ فقد بدأ برئاسة والتي تدرّجت بقسم خدمات القراء في صحيفة عكاظ ثم رأس قسم المحليات والخدمات الصحفية في صحيفة البلاد ثم رأس قسم المجتمع في صحيفة الوطن حتى وصل إلى مساعد رئيس التحرير في صحيفة الشرق ومدير منطقة الرياض حتى أصبح مدير الأخبار في قناة الإخبارية؛ فمستشار في مركز التواصل الحكومي (وزارة الإعلام). كتب المقالة الأسبوعية في عدة صحف محلية.
في كتابه «تظهير الفلسفة» قدّم له بمقدمة ضافية أكد فيها أنه لم يعمد إلى تتبع المصطلحات أو التعريفات، بقدر ما سعى إلى إضاءات تشرع في التذكير، كي يتم تناولها بأفكار جديدة سواء من قبله أو من قبل القارئ بعد ذلك، عادّاً هذا الكتاب جزءاً من مشروع يسير على توجه ينحو نحو إعمال العقل، وألا نكتفي بالنقل، أو نأخذ منه فقط دون تفحص. وإن عملية التفحص هي أن تأتي من بعيد لتربط بين الماء والثلج والسياسة، وهكذا.. كما أنه لم يعتمد أي منهج، ولم يفعل ذلك في كتبه كلها، فهو يرى إما أن يكون له منهجه أو لا يكون، ولا يعني ذلك أنه لم يعتمد على مراجع أو يعود إلى كُتّاب لهم باع طويل سواء في الفلسفة أو في غيرها، بل إنه يؤكد أنه استفاد منهم بما يخدم توجهاته، حتى القبلية منها، بل كثيراً ما يردد أن البناء يأتي على بناء، وهذا لا يعني أن يردد فقط ويساير من سبقه في الفكر والمعرفة، بل يجب أن يضع بصمته، التي قد لا تقبل اليوم لأنها مغايرة أو سيرى أنها شاذة أو بعيدة عن المنهجية، وهو زعم يرى أنه سيحدث، ولكن سيأتي جيل يستوعب قيمة هذه الومضات التي يقدمها، كي يتم بناء معرفة مختلفة عليها في النهاية أليست مزاعمنا قبلية؟
على الجانب الروائي أصدر محمد الغامدي رواية «سقف القرية قاع المدينة» وكتاب الاستقاء والانتقاء.. التضليل الكلامي.. الكلوب هاوس نموذجاً.
في روايته تلك يقول: «القرية ليست منطقة حلم نعيشه، ولا مكان متعة، ولا مكاناً تنصت فيه لحفيف الرياح أو تراشق أوراق الشجر الصغيرة مع الهبوب الخفيفة فقط، ولم تكن ذات يوم مركز تخيلات وتهيؤات كانت هي الحياة على طبيعتها. الحلم في مثل هذه الطبيعة نوع من الهذيان والمتعة نوع من الترف والإنصات نوع من الخيال والتخيلات نوع من الجنون، وكل هذا لا وقت لديك لتمارسه، بل لا يسمح لك من حولك بالذهاب إلى هذه الأمكنة لأنهم يمنحونك ما تريد وتمنحهم ما يريدون، بل لأنك طاقة مسخرة من الداخل لخدمة الجميع من أجل تحقيق هذيانهم وترفهم وخيالاتهم ورؤاهم وتهيؤاتهم، وهم يفعلون نفس الشيء، كل شيء مسخر لك».
صدر للزميل محمد الغامدي كتابه الأول، «الخروج من الخلوات إلى الجلوات.. الصوفية معركة الأفكار الغربية الجديدة» عن دار تكوين في جدة.
رصد فيه الكاتب التوجه الغربي نحو استخدام الصوفية لتكون بديلة في المعركة الطائفية المقبلة، ودلل على ذلك بكثرة الزيارات للسفارات والقنصليات الغربية للزوايا والمجالس، وقدمها عبر تسلسل في كتابه. وأورد في رصده الكثير من المقولات التي قيلت من الجانبين الصوفي والغربي تجاه بعضهما بعض.
وفي مجال الفكر الديني صدر له كتاب «كم الخلوات إلى الجلوات» والذي وجاء في خمسة فصول بدأت بمقدمة عن معركة الأفكار استعرض فيها الكاتب بعض التقارير عن العلاقات الطائفية في المنطقة العربية ورصد عدة نقاط مهمة تدعو للتقارب والتسامح.