اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٤ أيلول ٢٠٢٥
حينما سئل الكاتب الإنجليزي من أصل إيرلندي لورنس داريل (1912-1990)، الذي اشتهر برباعيته الإسكندرية، ورُشح لجائزة نوبل للأدب، عما يدفعه للكتابة، وهل للجانب المالي دور فيه، أجاب: نعم هذا الجانب مهم أيضًا. يجب الاحتفاظ بالجانب السيئ للعملية. هذا مهم؛ لكني أفضل دائمًا الاحتفاظ بفكرة أن الكتب تشكل عملًا تطهيريًّا، نوعًا من اليوغا، إجمالًا: طريقة للسمو والتحرر من الوخم. (كتاب عوالم روائية.. خفايا الكتابة الروائية، سعيد بوكرامي، ص11).
وهذا الرأي يمثل واحدًا فقط من دوافع الكتابة، وهو الحاجة المالية التي دفعت وتدفع الكثيرين للكتابة والعمل الإبداعي الذي أمتع ملايين القراء قرونًا عديدة.
هذا الدافع هو ذاته الذي حدا بالكاتب البلجيكي جورج جوزيف كريستان سيمنون (1903-1989م) لكتابة مئات الروايات وآلاف القصص القصيرة؛ فقد توفي والده وهو في الحادية عشرة من عمره، فعمل مراسلًا صحفيًّا ثم بدأ بكتابة القصص والروايات بأسماء مستعارة بلغت ثمانية عشر اسمًا من أجل المعيشة (وهو لا ينكر ذلك)، حتى أصبح من أصحاب الثروات ويملك اثنين وثلاثين قصرًا، وكان قد كتب قرابة 60 رواية، وألف قصة قبل بلوغه الرابعة والعشرين من عمره، ويعد من أغزر الكتاب في القرن العشرين إنتاجًا.
وحتى الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير (1564-1616) كان أيضًا ممن استفاد كثيرًا من إنتاجه الفكري ماديًّا، وكذلك الكاتب تشارلز ديكنز مؤلف رواية قصة مدينتين؛ كان يكتب في الصحافة بانتظام حتى يضمن مصدر دخل منتظمًا. ومن المعاصرين الكاتبة ج ك رولينغ، التي كانت فقيرة ومعنفة من قبل زوجها، قبل أن تكتب سلسلة روايات هاري بوتر، وتحقق ثروة خيالية أصبحت معها أغنى كاتبة في التاريخ البشري حتى الآن.
ومن الكتاب العرب الذين حققوا مداخيل جيدة من كتاباتهم الكاتب الكبير نجيب محفوظ (1911-2006م)، الذي رغم أنه كان موظفًا حكوميًّا؛ فإن رواياته طبع منها ملايين النسخ، وتحول بعضها إلى أفلام مربحة جدًّا جعلت الكتابة مصدر دخل مهمًّا له، حتى قبل أن يحصل على جائزة نوبل للأدب عام 1988م.
وهناك أيضًا الشاعر السوري الكبير نزار قباني (1923-1998م)، الذي كانت مبيعات دواوينه الشعرية مصدرًا رئيسيًّا لدخله. كما أن الكاتبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي حصلت على دخل كبير من مبيعات كتبها ورواياتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من عيب في الكتابة من أجل المال أو أن تكون مصدر الرزق الأساس؟
الحقيقة أن الكتابة رغم أنها رسالة وعمل إبداعي يمكن أن تُعد وظيفة كسائر الوظائف المحترمة كالطب والهندسة والتعليم وأمثالها. وكذلك الأمر مع الكاتب؛ فلا يمكن إلا أن يكون مثل أصحاب هذه الوظائف؛ حيث يجب أن يكون له مصدر دخل لأنه يجب أن يعيش وبكرامة حتى يتمكن من أن يقدم أعمالًا إبداعية مستقلة وبعيدة عن أي مؤثرات سلبية.
فعندما يضمن الكاتب مصدر دخل؛ فإنه يستطيع أن يتفرغ للكتابة وأن يكون أكثر استقلالية، ولا تحصل المشكلة إلا حينما يتحول عمله الكتابي إلى وظيفة لا أكثر بدلًا من تطوره وتحوله إلى عمل أكثر إبداعية. لكن العمل الكتابي يصبح كابوسًا على المجتمع حينما يقدم الكاتب مكاسبه المادية على قيمه ومبادئه، فيكتب ما لا ينبغي كتابته، ويصبح مأجورًا لجهات ذات أهداف خبيثة أو سيئة ولمن يدفع أكثر، حينها تكون عينه على الربح المادي والباقي مجرد وسائل لتحقيق ذلك. وحينها قد تغدو الكتابة وبالًا على المجتمع، وتفقد رسالتها المهمة القائمة على تقديم المفيد فقط للمجتمع ونبذ أي ضار وتنبيه الناس عنه. وجماع القول أن المطلوب هو حصول توازن ما بين المال والأدب، وألا يؤثر الأول على جودة الثاني بل يعزز منه دافعًا بالقلم نحو الاتجاهات الإيجابية في المجتمع.