"السر بالتجارة".. كيف استفادت دول الخليج من الدولار القوي؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

كم مرة رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة؟

رفعها 4 مرات منذ بداية العام 2022 بنسبة 2.25%.

كيف أثر ارتفاع الدولار إيجابياً على دول الخليج؟

ساهم بخفض فاتورة وارداتها من الدول التي انخفضت قيمة عملاتها أمام الدولار.

لطالما كان الدولار القوي عبئاً كبيراً على الدول الناشئة فهو يزيد فاتورة الاستيراد ويرفع قيمة الديون الحكومية ويرفع الأسعار بشكل غير مسبوق، لكن هذه القوة انعكست إيجاباً على دول مثل بلدان الخليج العربي.

ورغم أن دول الخليج تستورد غالبية احتياجاتها فإن رفع الولايات المتحدة أسعار الفائدة وصعود الدولار وهبوط عملات الدول الناشئة والدول الصناعية الكبرى وأبرزها اليورو الأوروبي والارتفاع الكبير في أسعار النفط، عاد بأرباح كبيرة على دول العرب النفطية لتشهد انتعاشاً اقتصادياً غاب عنها سنوات.

ورفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة 4 مرات حتى الآن في 2022 بنسبة 2.25%، وهو ما أعطى العملة الأمريكية مزيداً من القوة، وسط توقعات باستمرار سياسة رفع أسعار الفائدة إلى مستوى 4% حتى نهاية العام المقبل.

كما أن الحرب الروسية - الأوكرانية تواصل تأثيرها السلبي على اقتصاديات دول أوروبا والعالم، ما ساهم بهبوط قيمة عملاتها المحلية.

وتراجعت العملة الأوروبية وعملات الدول الناشئة بعد اضطراب صناعة الطاقة والحرب بأوكرانيا، اللذين ألقيا بثقلهما على اقتصاد العالم.

إضافة إلى أن ضغوط سلاسل التوريد أدت إلى إبطاء الاقتصاد العالمي، بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم.

ولكن العملات الخليجية كانت من القلة الناجية، فدول الخليج تربط عملاتها بالدولار باستثناء الكويت التي تربط الدينار بسلة من العملات بينها الدولار، وهذا جعلها ترتفع مع ارتفاع العملة الأمريكية.

وبحسب صندوق النقد الدولي بلغ الدولار أعلى مستوى له منذ عام 2000، بارتفاع قدره 22% مقابل الين، و13%مقابل اليورو، و6% مقابل عملات الأسواق الصاعدة منذ بداية 2022 حتى أكتوبر الماضي.

انعكاسات تجارية

وتنطوي هذه الزيادة الحادة في قوة الدولار خلال أشهر قليلة على انعكاسات اقتصادية كلية كبيرة بالنسبة لكل البلدان تقريباً نظراً إلى هيمنة الدولار في مجالي التجارة الدولية والتمويل.

ونقل تقرير نشرته وكالة 'بلومبيرغ' الاقتصادية الأمريكية، في 15 مايو 2022، عن تولي ماكولي، رئيس اقتصاديات آسيا والمحيط الهادئ في بنك 'سكوتيا بنك' الكندي، أن 'الدولار القوي تسبب بمشاكل للعديد من الاقتصادات الأخرى في العالم، وهو ما أدى إلى نزوح رأس المال وضعف العملة'.

وحول تأثير قوة الدولار وانهيار عملات الدول الناشئة على دول الخليج، قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد 'تشارترد للأوراق المالية والاستثمار' وضاح الطه: إن 'قوة الدولار وارتفاعه ناتجة عن ارتفاع سعر الفائدة'.

ورأى الطه في تصريحات لصحيفة ' إندبندنت' البريطانية، أن قوة الدولار مفيدة للواردات أمام عملات أخرى، فعلى سبيل المثال أي استيراد من دول الاتحاد الأوروبي سيكون أرخص من ذي قبل بسبب سعر الصرف لليورو وضعف العملات الأوروبية الأخرى مقابل الدولار القوي والعملات الأخرى المرتبطة بالدولار مثل الدرهم الإماراتي والريال السعودي والعملات الخليجية الأخرى.

وتابع أنه 'من المفترض أن السلع المستوردة من دول عملاتها تهبط أمام الدولار وعملات مرتبطة به أن تنعكس على أسعار البيع للمستهلك، أي بانخفاضها'.

من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي فاروق قاسم، أن 'قوة الدولار لم تضر بتجار المنطقة، وخصوصاً المنطقة الخليجية التي ترتبط عملاتها بالدولار'.

وفسر ذلك قائلاً: 'رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة يدفع البنوك المركزية في المنطقة الخليجية لرفع الفائدة للحفاظ على قوة عملاتها المحلية، بالتالي لم تتأثر تجارة المنطقة بشكل سلبي بقوة الدولار'.

وأشار إلى 'استفادة تجار المنطقة الخليجية التي ترتبط عملات بلدانهم بالدولار من تراجع عملات أخرى رئيسة في العالم مثل اليورو والجنيه الإسترليني مقابل الدولار والتي تجعل كلفة الاستيراد أرخص بالنسبة لهم'.

حطام اليورو

وحيث إن اليورو من أكثر العملات الرئيسية عالمياً تضرراً من قوة الدولار، فإن دول الخليج العربي في هذا الموقف كان دورها جمع الغنائم التجارية.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول الخليج بعد الصين، حيث يمثل 12.3% من إجمالي تجارة السلع لدول الخليج مع العالم في عام 2020، و7.8٪ من واردات الدول الخليجية تأتي من الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2020، كان الاتحاد الأوروبي رابع أكبر شريك تصدير لدول الخليج حيث توجهت 6.9% من صادرات الدول الست إلى دول الاتحاد.

وفي تصريحات صحفية سابقة قالت إيوا سينوفيتش، المستشارة الرئيسة بالمفوضية الأوروبية والمديرة العامة للتجارة، إن حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي يبلغ 143 مليار يورو سنوياً.

وأشارت إلى أن مجلس التعاون الشريك التجاري السادس لأهم منطقة في الاتحاد، ورابع سوق تصديرية مهمة مع صادرات بقيمة 100 مليار يورو.

أرباح كبيرة

وفي شرح أكثر تفصيلاً للعوائد الإيجابية لارتفاع قيمة الدولار، قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش: إن 'دول الخليج استفادت كثيراً من تسعير النفط بالدولار فمع ارتفاع قيمة الدولار وارتفاع أسعار النفط أيضاً ارتفعت إيراداتها بشكل كبير وغير مسبوق'.

وأضاف عايش، في حديثه لـ'الخليج أونلاين': 'السعودية على سبيل المثال من المتوقع أن تحقق نمواً باقتصادها بنسبة 7.6% في العام 2022، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يزيد على التريليون دولار وهذا لأول مرة في تاريخها، ومن ثم كان ذلك من نتائج ارتفاع أسعار النفط وارتفاع سعر صرف الدولار'.

ورأى أن 'ارتفاع الدولار مكن دول الخليج من الحصول على مستوردات بكلفة أقل وبالذات من الدول الأوربية، والدول التي انخفضت عملاتها مثل الصين واليابان وبريطانيا'.

واعتبر أن 'ارتفاع سعر الدولار بالتزامن مع ارتفاع سعر النفط ساهم في تحسين إيرادات دول الخليج، وتحقيق فائض في موازناتها وهذا لم يحدث منذ أزمة انهيار أسعار النفط قبل أكثر من 8 سنوات'.

وأشار إلى أن 'ربط دول الخليج لعملاتها بسعر صرف الدولار، كان له دور مهم في تحقيق استقرار اقتصادي لهذه الدول'.

كما أن 'ارتفاع الفائدة على الدولار ساهم في ارتفاع الإيرادات، من الودائع الدولارية والاستثمارات الخليجية في سندات الخزانة الأمريكية'.

وفي المقابل، قال عايش: إن 'كلفة واردات دول الخليج من الولايات المتحدة ارتفعت بسبب ارتفاع الأسعار هناك وزيادة معدلات التضخم'.

وأوضح أن 'ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب والمواد الغذائية، زادت من تكلفة الواردات للدول الخليجية باعتبارها مستوردة أكثر من أنها مصدرة'.

لكن الخبير الاقتصادي يرى أنه 'بالمجمل وبشكل عام فإن الحصيلة النهائية لارتفاع قيمة الدولار، كانت إيجابية بالنسبة لدول الخليج'.