احتضنته قطر.. ما أهمية ملتقى جمعية التاريخ والآثار الخليجي؟

الدوحة - الولي أحمد - الخليج أونلاين

أكثر من 170 عالماً ومؤرخاً من دول المجلس.

تقديم أربعين ورقة علمية في مواضيع مختلفة.

التراث الثقافي غير المادي، والآثار والاستشراق وأدب الرحلات والتفاعل السياسي لدول المنطقة الخليجية مع العالم.

احتضنت جامعة قطر في 4 مايو 2023، الملتقى السنوي الـ22 لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد تحت عنوان 'دول مجلس التعاون.. تاريخها وآثارها عبر العصور'، بمشاركة ما يزيد على 170 عالماً ومؤرخاً من دول المجلس، وعدد من الأكاديميين والباحثين.

وجرى وخلال الملتقى تقديم أربعين ورقة علمية تتنوع في المواضيع ما بين التراث الثقافي غير المادي والآثار والاستشراق وأدب الرحلات والتفاعل السياسي لدول المنطقة الخليجية مع العالم.

'الخليج أونلاين' أعد هذا التقرير عن أبرز الأوراق العلمية التي تناول فيها نخبة من العلماء والمؤرخين مجموعة من المواضيع المتنوعة والمتباينة فمنها ما يهتم بالكشف عن القيادات الرئيسية في المنطقة الخليجية وتفاعلها مع قضايا وهموم الأمتين الإسلامية والعربية من خلال عملية توثيقية محكمة، ودراسة أخرى تتناول علاقة الأحداث التاريخية وصناعة الصورة الذهنية، في حين تتناول الدراسة الأخيرة تحور الشخصيات التاريخية في الذهنية المجتمعية لأغراض سياسية واجتماعية.

القيادة القطرية.. هموم الأمة الشًّاغلُ الدائم

في دراسته بعنوان: 'موقفالشيخ جاسم بن محمد آل ثاني إزاء الحرب العثمانية في طرابلس الغرب والبلقان (دراسة وثائقية)' يسلطُ الدكتور مصطفى الطاهر الستيتي الضوء على مشاركة أهالي قطر ومؤسس إمارتها الشيخ جاسم في القضايا الكبرى ذات الطابع الإسلامي والعربي من جهة والتأكيد على حضور فلسفة التضامن وقيم التعاون الفريدة التي يمتاز بها القطريون على المستويين الرسمي والشعبي على مدار تاريخ الدولة.

وحول أهمية هذا البحث وفرادته، يقول الستيتي، لم يتم التطرق لهذا الدور القطري الذي يتمثل في دعم العثمانيين من طرف الشيخ جاسم من قبل، وقد اعتمدتٌ في إعداده على مجموعة من الوثائق العثمانية والصحف المتخصصة وبعض المجلات العربية القديمة الصادرة في العراق.

وعن حضور فلسفة التضامن وقيم التعاون لدى القيادة القطرية ممثلة في الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، يتابع الستيتي، أنه يمكن استعراض هذين البعدين عبر نموذجين وهي الأحداث التي حصلت في طرابلس الغرب والبلقان.

ويوضح الستيتي، وصلت الشيخ جاسم دعوة للمشاركة في دعم المجاهدين في طرابلس الغرب وكان ذلك في ظرفية تنادى فيها المسلمين لدعم المجاهدين هناك.

ويضيف قائلاً: 'مثلت ردة فعل الشيخ مثالاً يحتذى به، إذ أرسل أرسل رسالة إلى نقيب البصرة، تفيد بجمع مبالغ مالية تقدر بحوالي 20 ألف روبية هندية، ولم يكتفِ بذلك بل أكد في رسالته أنه بالرغم من تقدمه في السن إلا أنه لو أتيحت له الفرصة لشارك بنفسه في القتال ولكنه لعدم إمكان ذلك، فإنه يوجه هذا المبلغ لمساعدة ودعم المجاهدين.

كما شارك أيضاً بمبلغ آخر في حرب البلقان يبلغ 1800 ليرة ذهبية أرسلها إلى نقيب البصرة ومن هناك تم تحويلها عبر البنك العثماني إلى إسطنبول. وكل ذلك الدعم المالي، الهدف منه التأكيد على حضور قطر واهتمامها الكبير بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفق الستيتي.

ويشير الستيتي، إلى أنه وبناء على هذا الدور القيادي حينها، يمكن القول إن الدور القطري المهتم بالقضايا العربية والإسلامية لم يبدأ اليوم، حيث أن له جذور ضاربة في التاريخ منذ عهد المؤسس، حيث كان اهتمامه بقضايا الأمة منذ ذلك الوقت.

ويستشهد على ذلك بما ذكره الأديب والمؤرخ العراقي محمود شكري الألوسي، من خصال حميدة تميز بها الشيخ جاسم، منها مبرَّاته الكثيرة على المسلمين، إضافة إلى الاهتمام بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، ودعم العلماء المسلمين وطلاب العلم ونشر الكتب وتمويل نشرها في العديد من الأصقاع الإسلامية.

ولفت الستيتي إلى أن أدوار الشيخ جاسم، كانت محط تقدير إزاء قضايا أمته، حيث تم شكره من طرف السلطات في البصرة نظير جهوده ودعمه الدائم لصالح المسلمين في مختلف الأقطار.

البحث التاريخي.. بوابة نحو تغيير العقليات

من جهة أخرى يبحث الدكتور متعب القثامي، من خلال دراسته بعنوان 'الفيلة في المدينتين المقدستين: مكة المكرمة والمدينة المنورة'، في الأسئلة الكبيرة حول العلاقة العربية بالفيل، وأسباب التشاؤم في المخيلة العربية من هذه الحيوانات، ليفتح الباب عبر كشف تاريخي إلى طبيعة التفاعل العربي مع هذه الحيوانات من خلال الوقوف على دخول الفيلة إلى المدينتين المقدستين.

ويقول القثامي في حديثه لـ 'الخليج أونلاين'، إن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع غير مطروقة، إذ تجدر العناية به والاهتمام به، وتكثيف البحث حوله؛ لكونه لا يعد حدثاً تاريخياً منفصلاً عن الواقع، بل إنه يؤثر في الواقع من خلال التشاؤم المقرون بالفيلة لدى العرب.

وعن مبررات اختيار المواضيع والنتائج المتوخاة منه، يقول العتيبي، أثناء إعدادي لدراسة حول الدولة الإلخانية (مغول فارس) أرسل سلطانهم فيل إلى مكة، ودخلها ولكن عند توجيهه إلى المدينة بحوالي 50 كيلو متر، رفض الفيل دخولها حتى مات، وعند البحث في هذا الموضوع وجدت أن هناك فيلة دخلت إلى المدينتين المقدستين وبعضها حبس عن الدخول.

فمن هنا يوضح 'القثامي'، جاءت فكرة البحث، التي تهدف إلى التعرف على الفيلة في الثقافة العربية، التي تكتسب الكثير من الحساسية، لكونها مرتبطة في المخيلة العربية، بالدمار والغزو. حتى أن المجاهدين في فتح العراق واجهتهم الفيلة وهزموا بسبب عدم قدرتهم على التعامل معها، مضيفاً: 'بالتالي بدأت البحث عن أسباب ترسب هذه الانطباعات حول الفيلة لدى الإنسان العربي'.

ويلفت إلى أنه بالرجوع إلى المصادر التاريخية والوثائق المتخصصة، وتحليلها وفرزها، سيتمكن الباحث من تجميع صورة عامة، تؤهله تالياً إلى تأسيس علاقة صحية، مع هذه الحيوانات، وهو ما يدفع تالياً إلى تصحيح المعلومات وتغيير الذهنيات والابتعاد عن التشاؤم الذي نهى عنه ديننا الحنيف، ولا يمكن ذلك إلا من خلال جهود بحثية رزينة.

الصورة الذهنية.. بين التحيز الاجتماعي والإنصاف العلمي  

من جانبه تميزت مشاركة الدكتور فوزي العتيبي التي تناقش تحور الشخصيات التاريخية في الذهنية المجتمعية لأغراض سياسية واجتماعية وذلك في دراسة بعنوان 'تحور الشخصيات التاريخية.. شخصية أبي رغال التاريخية نموذجاً'.

وتعليقاً على مشاركته في الملتقى يقول العتيبي، إن أهمية تناول الشخصيات التاريخية وشخصية أبي رغال تحديداً، معروفة في الذاكرة العربية بأنها مضرب للمثل في الغدر والخيانة، وقد ألصقت هذه الشخصية بقبيلة بني ثقيف.

ويضيف: 'في حين أنه إذا عدنا إلى النصوص التاريخية نجد أن هناك اختلافاً معتبراً على هذه الشخصية، فهناك من يقول إنها تعود إلى عصور قديمة منذ أيام النبي صالح، وأن أبي رغال كان عامل جباية وتميز طبعه بالقسوة في تعامله مع الناس وقد قام النبي صالح بلعنه'.

وفي تصاعد للأحداث، يقول العتيبي، حُورَ مسار هذه الشخصية، ليصبح أبي رغال الثقفي هو الذي قام بمساعدة أبرهة في دخول مكة، مشيراً إلى أن الحقيقة 'هي أن أبرهة القادم من صنعاء لا يحتاج شخصاً بعينه لوصول مكة، فالأدلاء من العرب كثر، واختيار بني ثقيف دون غيرهم يطرح التساؤل ويثير الافتراضات البحثية التي قامت عليها هذه الدراسة. وهكذا أصبحت الشخصية تتحور منذ أيام النبي صالح وحتى قبيل البعثة النبوية'.

ويرى أن سبب ربط هذه الشخصية ببني ثقيف يعود أساساً إلى المناكفات السياسية والاجتماعية والقبلية، واستهداف إحدى القبائل في الطائف والتي تنافس قريش في المكانة والسؤدد بحسب ابن خلدون والعديد من الدراسات التاريخية.

وعن استخدامات هذه الشخصية في الصراعات السياسية يقول العتيبي، لقد كرست بعد ذلك هذه الصورة المرتبطة بالشخصية التاريخية وإلصاقها بقبيلة بعينها بشكل جلي في الصراع بين عبد الله ابن الزبير في مكة والدولة الأموية في الشام، وذلك من خلال قيادة أحد أبناء قبيلة ثقيف وهو الحجاج الثقفي للجيوش نحو مكة وربط ذلك بشخصية أبي رغال المتخيلة التي قادت بدورها أبرهة إلى مكة.

ويرى العتيبي، أن هذا الإسقاط السياسي، والوصمة الاجتماعية لقبيلة بيعينها، يجعل الباحثين أمام دورهم التاريخية في تصحيح الروايات والأحداث التاريخية التي مسًّها التحريف إلى أن وصلت إلى العوام اليوم وأصبحت بمثابة الحقيقة الثابتة، والواقع من خلال السياق التاريخي ودراسة النصوص مخالف لذلك تمامًا.