اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الوطن
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
يُعَدّ المخبر الوطني لصيانة وترميم الرقوق والمخطوطات بالقيروان واحدًا من أبرز المؤسسات المتخصصة في حفظ وصيانة التراث المخطوط في الوطن العربي. وجاء اختياره مؤسسة العام للعمل التراثي بالوطن العربي في احتفالية يوم المخطوط العربي بوصفه نموذجًا لمؤسسة جمعت بين الأصالة والريادة، وأسهمت بدور فعّال في صون ذاكرة الأمة المكتوبة. أُنشئ المخبر عام 1995م تابعًا للمعهد الوطني للتراث بوزارة الشؤون الثقافية التونسية، واتخذ من رقادة قرب مدينة القيروان مقرًا له، حيث يعمل على تطوير تقنيات الترميم والمعالجة الكيميائية، إلى جانب إدخال منهجيات الرقمنة والفهرسة الحديثة. ومنذ تأسيسه، صار المخبر مرجعًا وطنيًا وإقليميًا في مجال العناية بالمخطوطات. وتضم خزائن القيروان مجموعات تُعد من أقدم وأهم المقتنيات التراثية في العالم الإسلامي، بينها ما يقارب 44 ألف ورقة قرآنية غير مجلدة، وأكثر من 48 ألف ورقة غير قرآنية، بالإضافة إلى 381 وثيقة فقهية وقانونية خاصة، و115 بردية مصرية. هذه الأرقام لا تُبرز فقط حجم المجموعات، بل تكشف كذلك عن التحدي الكبير الذي يواجه المخبر في الحفاظ على هذه الكنوز من عوامل الزمن والإهمال. googletag.cmd.push(function() { googletag.display(div-gpt-ad-1705566205785-0); }); لم تكن مهمة المخبر سهلة؛ فالرقوق والمخطوطات القديمة عانت من الرطوبة والحرارة والحشرات وسوء التخزين. وهنا جاء دور المخبر في إدخال تقنيات متقدمة للمعالجة الكيميائية والتعقيم والترميم اليدوي، إلى جانب التوثيق الرقمي الذي يحفظ المحتوى ويتيح للباحثين الاطلاع عليه دون المساس بالأصول الهشة. وقد شهدت السنوات الأخيرة انطلاقة جديدة لعمل المخبر، حيث جرى تنفيذ برنامج واسع للجرد والرقمنة. حتى سبتمبر 2023م، تم توثيق ما يزيد على 35 ألف صفحة من أصل نحو 42 ألف صفحة ضمن المجموعة القرآنية وحدها، وهو إنجاز نوعي يعكس جدية الجهود المبذولة. هذه العملية لم تقتصر على التصوير الرقمي فقط، بل شملت بناء قواعد بيانات وفهارس حديثة تُسهل وصول الباحثين إلى المواد، وتُسهم في إدماجها ضمن حركة البحث الأكاديمي العالمية. على الصعيد الدولي، انخرط المخبر في شراكات علمية مرموقة ضمن مشروع 'مخطوطات القيروان' الذي يقوده مركز دراسات ثقافة المخطوط بجامعة هامبورغ، بمشاركة مؤسسات عريقة وجامعات أوروبية أخرى. وقد أتاح هذا المشروع تدريب كوادر تونسية شابة على أحدث تقنيات الفهرسة والتحليل المادي للمخطوط، إلى جانب تطوير بروتوكولات متخصصة للحفظ الوقائي. إن حضور المخبر الوطني لصيانة وترميم الرقوق والمخطوطات بالقيروان في مشهد التراث العربي لا يعكس فقط إنجازًا مؤسسيًا، بل يُعد رسالة حضارية بأن الهوية لا تُصان إلا بحفظ جذورها العميقة. ومن تونس إلى العالم، يواصل المخبر أداء رسالته في أن يظل المخطوط العربي شاهدًا حيًا على عبقرية الأمة وإسهاماتها في مسيرة الحضارة الإنسانية.