اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٣ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- تتجه شركات التقنية العالمية للاستثمار بالسعوديةلتقليل تكاليف الإنتاج والاستفادة من الحوافز الصناعية والبنية التحتية المتطورة
- مصنع 'لينوفو' في الرياض أول مصنعتقني ضخم يُبنى في المملكة، وسيخلق آلاف الوظائف بحلول 2030
تشهد المملكة العربية السعودية تحولات اقتصادية وصناعية غير مسبوقة، في ظل استراتيجياتها الوطنية التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للتقنية والصناعة.
ولم يعد هذا الطموح حبيس الخطط والرؤى، بل ترجمته خطوات عملية على الأرض، تمثلت في تدفق استثمارات ضخمة، وتدشين مشروعات تصنيع نوعية، لا سيما في مجالات الحواسيب والهواتف الذكية والتقنيات المتقدمة.
تحول صناعي
وفي خضم التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، بدأت كبرى شركات التكنولوجيا في العالم تعيد حساباتها، باحثة عن بيئات تصنيع مستقرة وواعدة، لتبرز المملكة كأحد أبرز هذه الخيارات.
وتشير تقارير إعلامية أمريكية إلى أن السعودية أصبحت وجهة مفضلة لعدد متزايد من هذه الشركات، التي تسعى إلى تأسيس مصانع جديدة تستفيد من المزايا التنافسية التي توفرها المملكة، مثل الموقع الاستراتيجي، والحوافز الاستثمارية، والبنية التحتية المتطورة، فضلاً عن الرسوم الجمركية المنخفضة عند التصدير إلى الأسواق الأمريكية.
ونوّهت صحيفة الوطن السعودية، في 28 مايو 2025، بأن مبادرة 'صُنع في السعودية' أصبحت إحدى الخيارات الاستراتيجية التي تعكس تحوّلاً في موازين التصنيع العالمية.
وقد وصفت المؤرخة الاقتصادية إيلين والد، في تصريح لـ'ميدل إيست آي'، في أبريل الماضي، هذا التوجه بقولها: 'ربما يتواصل السعوديون اليوم مع واشنطن قائلين: ماذا كانت تمنحكم الصين؟ أخبرونا وسنقدمه لكم هنا في المملكة'.
ومع أن دولاً مثل فيتنام وتايلاند استفادت مبكراً من هذا التحول، فإن السعودية تقدم مزايا تنافسية فريدة، أبرزها الرسوم الجمركية المنخفضة التي لا تتجاوز 10% عند التصدير إلى الولايات المتحدة، وهو ما يجعلها وجهة جذابة بشكل متزايد للشركات الساعية إلى تفادي التكاليف الإضافية.
يواكب هذا التوجه السعودي التحولات الكبرى في السياسة الاقتصادية السعودية، التي تقودها 'رؤية 2030' الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وخلق بيئة تصنيعية متقدمة، خاصة في مجالات التقنية العالية.
وتجري بالفعل مباحثات مع شركات عالمية مثل 'ديل' و'إتش بي' لاستكشاف فرص التصنيع في المملكة، فيما بدأت 'لينوفو' الصينية بتأسيس مصنع لتجميع الحواسيب والخوادم داخل السعودية.
إضافة إلى ذلك تتعاون شركات محلية مثل 'آلات' مع شركاء دوليين لتطوير حلول روبوتية تدعم خطوط الإنتاج، في خطوة تُعزز من كفاءة التصنيع وتقلل الاعتماد على العمالة المستوردة.
كما يجري العمل على جذب شركات تصنيع ضخمة مثل 'فوكسكون' و'كوانتا'، في مؤشر واضح على أن السعودية لا تستهدف مجرد إنشاء مصانع، بل تطمح لتكون محوراً صناعياً متقدماً في قلب المنطقة.
منافسة عالمية
ويؤكد المهندس أحمد طه طاهر، الخبير التقني وصانع المحتوى، أن انتقال صناعات الحواسيب والهواتف الذكية إلى المملكة يعزز بشكل كبير الناتج المحلي غير النفطي، ويشكل هذا التوجه التقني مجالاً خصباً للنمو الاقتصادي.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن شركة 'آلات'، التي أطلقها صندوق الاستثمارات العامة في عام 2024، تهدف لجعل المملكة مركزاً عالمياً للصناعات الإلكترونية والتقنية المتقدمة.
ويبين طاهر أن هذه الخطوة من شأنها أن تخلق آلاف الوظائف، مما يحفز الابتكار والتطوير المحلي، ويدعم توطين المعرفة التقنية ونقل الخبرات العالمية.
ويشير إلى تجارب إقليمية مشابهة؛ فمصر نجحت في استقطاب خطوط إنتاج هواتف ذكية لعلامات كبرى مثل سامسونغ وأوبو، بفضل حوافز ضريبية وإعفاءات، كما عملت على توطين الصناعات الإلكترونية لزيادة الصادرات.
ويُقسم المهندس طاهر التحديات التي تواجه هذا التحول الصناعي إلى ثلاثة محاور رئيسية، تتمثل في الكوادر البشرية، والبنية التحتية، والمواد الخام.
ويؤكد وجود فجوة عالمية كبيرة بسبب التطور التكنولوجي السريع ونقص الكفاءات المتخصصة، خصوصاً في قطاع التصنيع عالي التقنية كأشباه الموصلات والروبوتات.
أما على صعيد البنية التحتية، فالمملكة لا تزال تفتقر لمصانع محلية لإنتاج المكونات الأساسية كالشرائح والشاشات والبطاريات، مما يستدعي الاعتماد على الاستيراد.
ويلفت طاهر إلى أن الصين تُعد عملاقاً عالمياً في تصنيع الأجهزة الإلكترونية الذكية، بامتلاكها منظومة متكاملة من سلاسل التوريد وعمالة ماهرة، حيث صدرت 50% من الهواتف الذكية عالمياً في عام 2022.
ومع ذلك، يؤكد أن السعودية تمتلك عناصر استراتيجية تؤهلها لتكون منافساً نوعياً، أبرزها: موقعها الجغرافي الذي يتوسط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتوافر الطاقة منخفضة التكلفة كالشمسية، إضافة إلى الحوافز الاستثمارية السخية التي تقدمها لجذب الشركات العالمية.
ويرى طاهر أن القطاع الخاص السعودي يؤدي دوراً حيوياً وأساسياً في نجاح هذا التحول الصناعي الكبير. تقع على عاتق هذا القطاع مسؤولية تقديم التسهيلات، والتعاقد مع المعاهد لتقديم التدريب، وتوفير حاضنات الأعمال للشركات الناشئة والمتوسطة.
ويضيف طاهر أن المناخ الاستثماري والتنظيمي الذي هيأته المملكة يدفع القطاع الخاص للأمام، حيث سنت الحكومة إصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وتقديم القروض لدعم هذا التوجه.
شراكة استراتيجية
وفي خطوة تعكس تسارع التحول الصناعي في المملكة، احتفلت شركة 'آلات' السعودية، الرائدة في الابتكار والتصنيع المستدام، في 9 فبراير 2025، بالشراكة مع شركة 'لينوفو' العالمية، بوضع حجر الأساس لمصنع جديد في العاصمة الرياض. بحسب وكالة الأنباء السعودية 'واس'.
ويُعد المصنع الجديد من أكبر استثمارات التكنولوجيا في المنطقة، سيُقام على مساحة 200 ألف متر مربع ضمن منطقة 'الرياض المتكاملة' التي تديرها شركة المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة (SILZ)، وسيُجهز وفق أعلى معايير الاستدامة البيئية والهندسية.
من المقرر أن يبدأ إنتاجه الفعلي في عام 2026، وسيكون متخصصاً في تصنيع ملايين أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، إلى جانب الخوادم، تحت شعار 'صنع في السعودية'.
ويأتي هذا المشروع الطموح بعد إتمام صفقة استثمارية ضخمة أعلنت في يناير 2025، بلغت قيمتها ملياري دولار أمريكي، تشمل إصدار سندات قابلة للتحويل بدون فوائد لمدة ثلاث سنوات، إلى جانب اتفاقيات تعاون إستراتيجي تم التوصل إليها سابقاً، في مايو 2024.
ولا تقتصر أهمية المشروع على التصنيع فحسب، بل يتماشى مباشرة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 وصندوق الاستثمارات العامة، من خلال المساهمة في تنمية الاقتصاد غير النفطي.
إذ يُتوقع أن يخلق المصنع نحو 15 ألف وظيفة مباشرة و45 ألف وظيفة غير مباشرة، ويضيف ما يصل إلى 10 مليارات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2030.
وفي مؤشر على عمق الشراكة، تعتزم 'لينوفو' تأسيس مقرها الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في الرياض، مما يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتقنية والتصنيع الذكي.
هذا المشروع ليس سوى البداية ضمن خطة أشمل تقودها 'آلات' لتعزيز قطاع التكنولوجيا المتقدمة في المملكة، فالشركة –التي تعد إحدى مبادرات صندوق الاستثمارات العامة– تضع نصب أعينها تمكين القطاع الخاص، وتوسيع نطاق التصنيع المحلي في 34 فئة عبر 9 وحدات أعمال.
وتشمل الصناعات السعودية المرتقبة مجالات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، والأجهزة الذكية، والصحة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتحول الكهربائي.
بهذه الخطوات المتسارعة، تضع المملكة نفسها في قلب الخريطة الصناعية العالمية، ليس كمستورد للتقنية، بل كمنتج ومصدر ومركز للابتكار.










































