اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
في أعماق النفس البشرية، هناك نظام دقيق أشبه بجهاز مناعة نفسي، يعمل على حماية الفرد من الجروح المعنوية، لكن عندما يتعرّض الإنسان بشكل مستمر لضغط نفسي ناتج عن'التلقيح بالكلام”، ومحاولات التقليل من شأنه، والاتهامات المباشرة؛ تبدأ تلك المنظومة في الانهيار بصمت. هذه الأنواع من العبارات ليست مجرد كلمات؛ بل طعنات صغيرة تتراكم وتترك ندوبًا في الوعي والوجدان، خصوصًا إذا جاءت من أشخاص مقربين.
عند تلقّي مثل هذه الإساءات اللفظية، تبدأ النفس بالدخول في حالة من الاستنفار الداخلي؛ فالجهاز العصبي ينشط ويبدأ الدماغ في إرسال إشارات الخطر، ويرتفع مستوى الكورتيزول، وتُصاب القدرة على التفكير الواضح بالتشويش، ويبدأ الشخص بالشعوربالحيرة، وقد يُصاب بشلل تعبيري غير قادر على الرد؛ فيبدأ بالصمت، وهو صمت لا يعني السلام؛ بل تراكم داخلي للغضب والإحباط والخذلان.
ومع تكرارهذه التجارب، يبدأ العقل في تشكيل قناعات سلبية عن الذات، وتتسرب الأفكار السامة مثل:'ربما أنا بالفعل أقلّ”، أو'ربما أنا السبب”، وتبدأ رحلة جلد الذات اللامتناهية، وهذا الانحدار غير مرئي، لكنه شديد الألم لأنه لا يتسبب فقط في ضعف الثقة؛ بل في تآكل الإحساس بالقيمة الشخصية، ويولد نمطًا من العلاقات المبنية على الخوف والتوجّس بدل الأمان والانفتاح.
ولكن النفس ليست قادرة على التحمل إلى ما لا نهاية. فالفرد بعد تراكم الضغوط وتزايد التحقير والاتهامات سيصل إلى لحظة انهيار، وفي هذه اللحظة قد تكون صامتة أو عنيفة ظاهرة أو داخلية لكنها حتمية. إن الانهيار لا يعني الضعف بل نتيجة منطقية لإرهاق مستمر دون دعم حقيقي، وبعض الانهيارات تأخذ شكل نوبات بكاء مفاجئة واضطرابات نوم و فقدان للشهية، أو حتى عزلة شديدة عن العالم.
ولا بد أن نمنح أنفسنا الإذن للابتعاد عن مصادر التلوث النفسي، حتى وإن كانت قريبة؛ فالنفس حين تُخدش مرارًا لا تُشفى بالمسامحة فقط؛ بل بإعادة بناء الحدود، واستعادة الصوت الداخلي الذي يهمس:' أنت تستحق أن تُعامَل باحترام، لا باختبار مستمر لقيمتك.” وحين ننهار، قد تكون تلك البداية الحقيقية لإعادة الترميم من جديد.
fatimah_nahar@