اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
د. خالد رمضان
أصبح التعايش مع الذكاء الاصطناعي حقيقة لا مفر منها، لكنه تعايش محفوف بالمخاطر، فهو يشبه الإقامة مع مراهق، أحيانًا يكون رائعًا، وأحيانًا يكون متهوراً، ولهذا، نعتقد أن تنظيم الذكاء الاصطناعي بات أولوية قصوى، لطمأنة أولئك الذين ينظرون إليه بخوف وريبة، وهو تقنين ضروري أولاً: لبناء الثقة، وثانياً، لإيقاف جموح الشركات الكبرى التي تسعى للربحية فقط، دون مراعاة العنصر البشري.. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، اتفق الحزبان الرئيسان، هذا الأسبوع، على ضرورة تنظيم الذكاء الاصطناعي، برغم خلافهما الدائم حول العديد من القضايا الرئيسة مثل الهجرة، والرعاية الصحية، والاجتماعية، والمساواة بين الجنسين.
ربما يعتقد البعض أن هلع الناس من الذكاء الاصطناعي يقتصر على المجتمعات الأقل تطوراً، وهذا خطأ كبير، فالخوف من مخاطره يجتاح العالم أجمع، حيث تشير آخر استطلاعات الرأي، إلى أن الناس متشائمون بشكل عام إزاء الذكاء الاصطناعي، إذ يعتقد 65% من الأمريكيين أنه سيزيد من انتشار المعلومات الكاذبة، بينما يخشى 56% من أنه سيهدد مستقبل البشرية، وقد ينتهي الأمر بالقضاء على البشر، ولهذا، يجب على الجهات التنظيمية، ورواد التكنولوجيا، معالجة هذا القلق عبر توضيح حقيقة هذه المخاطر، وأخذ مخاوف الناس على محمل الجد، ومن ثم، فإن أحد الأسئلة الأساسية هي: إلى أي مدى سيضع المنظمون حواجز أمام التكنولوجيا الفائقة من أجل حماية الناس من العواقب السلبية؟
يحمل الذكاء الاصطناعي ثلاثة مخاطر أساسية، وهي: فقدان الخصوصية، وتحيزات البيانات، وعدم القدرة على تفسير أو شرح النماذج، ولتفادي هذا المأزق، يجب ترسيخ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لأنها تُساعد أولًا: في التخفيف من المخاطر المرتبطة بالتقنية، وثانيًا: تُعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، مما يضمن توزيع فوائده بشكل عادل على المجتمع، وثالثًا: تُعزز ثقة الجمهور في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ضروري لاعتمادها ودمجها في مختلف جوانب الحياة اليومية، وربما يكمن التحدي الرئيس في مواءمة المتطلبات القانونية، مع التطورات التقنية، ولا ينبغي النظر إلى تقنين الذكاء الاصطناعي باعتباره صراعاً من أجل البقاء، ولكنه، يمثل محاولة جدية لتحقيق التوازن بين مصالح الفرد، ومصالح المجتمع.
لا يجب أن نغفل أن علماء الكمبيوتر درسوا مخاطر الذكاء الاصطناعي، وطوروا مجموعة واسعة من الحلول العملية، ولهذا، فإن تجاهل هذه الحلول الراسخة عند وضع اللوائح التنظيمية يُعد إغفالاً خطيراً، في الوقت نفسه، لا ينبغي افتراض أن جميع الشركات تفتقر إلى الالتزامات الأخلاقية أو أنها تتجاهل الحفاظ على سمعتها التجارية، أو أن جميع الشركات تتصرف بأخلاقيات عالية دون الحاجة إلى رقيب قانوني، ويجب أن يعكس التنظيم الاختلافات الحاصلة بين العناصر الفاعلة في منظومة الذكاء الاصطناعي، وأن يمنح التنظيم حوافز مشجعة للسلوك الإيجابي، في المقابل، يجب أن ندرك أن التشريعات الصارمة ليست الأفضل دائماً، لأن القواعد المتشددة قد تخنق الابتكار، وتُبطئ من عملية التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي، ونحن في النهاية نسعى إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي من أجل مجتمع عادل ومنصف.