اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
د. خالد رمضان
مطلع هذا الأسبوع، أعلنت ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، عن مناقصة لتسخير الذكاء الاصطناعي في مواجهة أزمة الإسكان، حتى أن 'بول سكالي' وزير التخطيط في حكومة الولاية، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، امتدح هذه الخطوة قائلا: 'هذه هي اللعبة التي ستغير مجرى الأمور'، فيما أيدها وزير الخزانة الفيدرالي جيم تشالمرز كنموذج واعد يعزز توفير المساكن ويدعم الإنتاجية الاقتصادية، ومع توقعات ببدء تشغيل النظام بنهاية 2025، يبرز السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مفتاح الحل السريع لأزمة السكن، ليس فقط في أستراليا، بل عالميًا؟
تصدرت قضية الإسكان والذكاء الاصطناعي النقاشات في أستراليا مؤخرًا، حيث أشارت وزيرة الإسكان كلير أونيل إلى أن تقليص العوائق البيروقراطية أمام شركات البناء هو الحل الأمثل، ويتجلى ذلك في تعليق 26 ألف مشروع سكني بسبب قوانين حماية البيئة، مما يشكل عقبة واضحة.. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي لتسريع عمليات التقييم والموافقة، لكن الأسئلة تظل معلقة: ما هو الدور الفعلي لهذه التقنية؟ هل سيقتصر على تنظيم الوثائق وتدقيقها؟ أم سيمتد إلى صياغة تقييمات أو حتى اتخاذ قرارات مستقلة؟ وكيف سيندمج مع الأنظمة الحالية؟ وهل سيتمتع وكلاء الذكاء الاصطناعي ببعض الاستقلالية في عملية التقييم؟ والأهم من ذلك، إلى أي مدى سيتم الاستغناء عن رأي الخبراء؟
رغم جاذبية الذكاء الاصطناعي كحل سحري لنقص المساكن، إلا أن التركيز عليه قد يصرف الانتباه عن تحديات أعمق، مثل نقص العمالة، السياسات المالية والضريبية، وتراجع خيارات السكن الاجتماعي، والواقع، أن التخطيط العمراني ليس مجرد إجراءات إدارية يمكن أتمتتها، بل عملية معقدة تتطلب زيارات ميدانية، وحوارات مع المجتمعات المحلية، وموازنة دقيقة بين الاحتياجات المحلية والأهداف الوطنية، ولا شك أن إهمال هذه العناصر قد يقوض جودة التخطيط، يقلل من قيمة خبرات المتخصصين، ويثير تساؤلات حول المسؤولية عند حدوث الأخطاء، خاصة أن الذكاء الاصطناعي يعاني من تحديات في قابلية التفسير، مما يجعل تتبع أخطائه أمرًا معقدًا.
باعتقادي، أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في معالجة أزمة الإسكان محفوف بالمخاطر، فالتقنية ليست أداة محايدة تنتظر الأوامر، بل قوة جبارة تشكل مسار القرارات، وتؤثر على ما يُبرز أو يُهمل في عمليات التقييم، وقد تكون متحيزة لبعض البيانات دون سواها، وعلى سبيل المثال، قد يركز النظام على مخاطر بيئية معينة دون أخرى، متجاهلاً مخاوف المجتمعات المحلية، أو يقترح مسارات بناءً على أنماط بيانات غير واضحة، مما قد يوجه المخططين نحو خيارات غير مثالية ودون وعي منهم، وهنا تتجلى أهمية العنصر البشري، الذي يظل لا غنى عنه لضمان قرارات متوازنة ومسؤولة.