اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
د. بدر بن سعود
توصلت دراسة نشرتها جامعة أوهايو الأميركية عام 2024، واستمرت لمدة عشرين عاماً، إلى أن 50 % من القرارات التي يتخذها الأشخاص في حياتهم، تكون على الأرجح خاطئة أو غير مرغوبة، وغالبية الناس في المنطقة العربية يصدرون قــــــراراتهم بشكـــــل لحظي وبدون دراسة، ما يوقعهم في مشاكل كثيرة وكبيرة..
يوجد في وزارة الدفاع الأميركية، قسم خــــــاص يسمــونه المعارضة، هدفه الأساسي تحدي أفكار الآخرين، وبالأخص فيما يتعلق بالمهام العسكرية، ويقوم موظفوه بأخذ دور المعارض لأفكار القادة العسكريين، لاختبار صلابتهم النفسية، ودرجة قبولهم بالآراء المعارضة لهم، وخصوصاً في الحالات المصيرية والمكلفة عاطفياً ومادياً، وهو بمثابة اختبار لكفاءتهم، والتصرف نفسه يعتبر طقسا في الكنيسة الكاثوليكية، عند تعميد القديسين الجدد، ويتواجد فيه شخص مهمته تحدي نزاهة المرشحين، يسمونه محامي الشيطان، والسابق يستهدف اختيار أفضل المرشحين لمنصب القديس، ولا بد من التنبيه إلى أن التفكير بأسلوب الأبيض والأسود، أو بالقرار المناسب لأحدهم أو اللاقـــــرار، يشير لضيق أفق، وفي مقابلات أجريت على عشرات المراهقين في 2022، وجد أن ستة من كل عشرة قرارات يتخذونها، وفق سياسة الأبيض والأسود، وحتى أماكن العمل والمؤسسات المختلفة، تكون قراراتها بالتصويت أو الاختيار ما بين الرفض أو القبول لشيء واحد، وبدون طرح بدائل، أو التفكير فيها من الأساس، وهذه ممارسة خاطئـــــة جداً.
توصلت دراسة نشرتها جامعة أوهايو الأميركية عام 2024، واستمرت لمدة عشرين عاماً، إلى أن 50 % من القرارات التي يتخذها الأشخاص في حياتهم، تكون على الأرجح خاطئة أو غير مرغوبة، وغالبية الناس في المنطقة العربية، يصدرون قــــــراراتهم بشكـــــل لحظي وبدون دراسة، ما يوقعهم في مشاكل كثيرة وكبيرة، والسبب في ذلك أنهم لم يتدربوا على اتخاذ القــرارات اليومية منذ الطفولة، سواء في اختيــــــار الأطعمة أو الملبوسات، أو فيما يرغبون زيارته من أماكن، وهذه الأمور يفترض العمل عليها من سن السابعة.
من الشواهد على التدريب المسبق، جيف بيزوس، صاحب أمازون، الذي يعمل على قاعـــدة عجيبة في اتخاذ قراراته، وهو أنه إذا كانت نسبـــــة تردده في اتخاذ القرار أقـــــل من 30 %، فإنه يقوم باتخاذه فوراً، والملياردير إيلون ماســك، يختار ارتـــــداء اللباس ذاته كل يـــوم، لأنـــه لا يرغب في استنزاف طاقته، والاستغـــــراق في قــــرار هامشي من هذا النوع، ويتـركها للقرارات الصعبــــة، وتشارلز داروين، صاحب كتاب أصل الأنواع ونظرية التطور، عندما قرر الزواج اختار وضع قائمتين بالسلبيات والإيجابيات، وانتهى به الأمر إلى الزواج من ابنة خالته إيما ويدغــــــووت، وقراره لم يكن موفقــــا تماماً، فقد دخل معها لاحقا في صراع فكري، نتيجة لتعارض نظرته العلمية مع معتقداتها الدينية.
في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، قام والد وولده وكــــلاهما من الضباط البروسيين، بابتكار لعبة اسمها: كريغ شبيل، ومعناها بالعربية: لعبة الحرب، ويكون لعبهــا بعشرة لاعبين، على لــــوحين منفصلين، وكل فريق فيها يعتمد نظاما قياديا هرميا، ولا يعرف إلا أمورا بسيطة عن خطة خصمه، واللعبة تحولت إلى جزء أساسي من تـــــدريبات الجيش البــروسي، ومــــــارست دورا مهما في الحــــرب العالمية الثانية، واستخـــــــدمتها ألمانيا في محاكاة اجتياح هولندا وبلجيكا، واختيار الأسلوب الأنسب للتعامل معهما، وقد حققت نجاحا باهر، وخطة الحرب التي قررتها ألمانيا، كانت استنادا لمعطيات اللعبة واختياراتها.
الأصعب ما يقترحه عالم النفس صامويل سامرز، الذي لاحظ أنه كلما كانت هيئة المحلفين في قضية، من خلفيات متشابهة، كان يكونوا من ذوي البشرة البيضاء، أو سيدات من فئة اجتماعية واحدة، أو أشخاص يشتركون في نفس الفئة العمرية، فإن قراراتهم وأحكامهم تكون أسرع مقارنة بغير المتشابهين، وكلامه يؤكده فيلم: 12 رجلا غاضبا، للمخرج سيدني لوميت، المعروض عام 1957، وفيه يقوم المحلفون بمناقشة تورط مراهق في قضية قتل، وكلهم كانوا متفقين على أنه مذنب، باستثناء شخص واحد، وفي المقابل يعتقد أهل الاختصاص أن الانحياز للعادات والتقاليد في اتخاذ القرارات يؤثر على جودتها، تماما كالحدس بدون خبرة أو تجربة، لأنهما يقومون على خيارات عاطفية وعشوائية، وقد يؤديان لنتائج كارثية.
المختصون في أميركا قاموا بحساب عدد القرارات التي يتخذها الشخص العادي يومياً، ووجدوا أنها تكون في حدود 35 ألف قرار في المتوسط، ووفرة الخيارات جيدة، ولكنها تجعل اتخاذ القرارات معقداً، وأكثر من يتعرضون لإرهاق القرار القضاة والأطباء، ولعل السياسيين يدفعون الثمن الأكبر لقراراتهــــم، ومن الأمثلة، أن قرار الحرب على العراق في 2003، الذي أعلنه الرئيس جــــورج دبليو بوش، بحجة امتـــلاكه أسلحة الدمار الشامل، كان مهتماً بحيازة موارد العراق الطبيعية كالنفط، وقدر مستشارو بوش الاقتصاديون تكلفة الحرب ما بين مليار و200 مليار دولار، والحقيقة أن كل ما تم تقديره لم يكن قريبا من الواقع، فالحرب على العراق كلفت دافع الضرائب الأميركي، قرابة ترليوني دولار، واعتبر القرار من بين الأسوأ في التاريخ الأميركي، فقد كان بالإمكان الاستفادة من هذه الترليونات، في بناء اقتصادات دول بأكملها من الصفر، ولو استغلت في داخل أميركا لأنعشت اقتصادها، وتوجد دول بلا وزن في شمال أفريقيا، قد تورط نفسها في قرارات متهورة مع جيرانها، ما قد يدخلها في نفق أكثر ظلمة من ظلمتها الحالية.