"الفوضى القصوى".. معادلة رياضية تكشف كيفية تحطم "الأشياء المكسورة"؟

هل تساءلت يومًا لماذا تتحول المزهرية المفضلة لديك عند سقوطها إلى ألف قطعة صغيرة يستحيل جمعها، بينما تبقى قطعة أو قطعتين كبيرتين فقط؟

يبدو المشهد كأنه فوضى عشوائية تهدف لإثارة غضبك، لكن 'محققًا فيزيائيًا' فرنسيًا اكتشف أن هذه الفوضى تتبع 'قانونًا صارمًا' يحكم كل شيء؛ من فقاعات الصابون إلى المعكرونة الجافة.

نمط مخفي في الفوضى

وفي دراسة نشرت في مجلة 'Physical Review Letters'، كشف الفيزيائي إيمانويل فيليرمو، من جامعة إيكس مرسيليا، عن معادلة رياضية تصف بدقة توزيع أحجام الشظايا الناتجة عن التحطم. إذ أنه خلافًا للاعتقاد السائد بأن الشقوق تنتشر بشكل لا يمكن التنبؤ به، وجد فيليرمو أن هناك 'بصمة' ثابتة في مسرح التحطم.

وسواء كنت تنظر إلى مكعب سكر مهشم، أو فقاعة منفجرة، أو حتى أدوات حجرية من العصور القديمة، فإن نسبة الشظايا الكبيرة إلى الصغيرة تظل ثابتة بشكل مريب.

المشتبه به: 'الفوضى القصوى'

أطلق فيليرمو على هذا المبدأ اسم 'الفوضى القصوى' (Maximal Randomness). وتقول النظرية إن النمط الأكثر احتمالية للتحطم هو النمط الأكثر فوضوية، أي الذي يحقق أعلى درجات 'الإنتروبيا' (Disorder).

لكن هذه الفوضى ليست مطلقة السراح؛ فهي مقيدة بـ 'قانون حفظ' اكتشفه فيليرمو وزملاؤه عام 2015، والذي يفرض قيودًا فيزيائية صارمة على كثافة الشظايا في الحيز المكاني لحظة الانفجار.

وبدمج المبدأين، توصل الفيزيائي إلى المعادلة التي تتنبأ بحجم الفوضى.

إعادة تمثيل الجريمة: مشروع عائلي

لم يتطلب إثبات النظرية مختبرات فائقة التعقيد فحسب، بل تطلب 'مشروعًا صيفيًا' بسيطًا.

يقول فيليرمو لموقع 'New Scientist' إنه قام بإسقاط أجسام ثقيلة على مكعبات سكر بمساعدة بناته عندما كن صغيرات، وراقبو كيف تتفتت.

عندما عاد لبيانات تلك التجربة العائلية وطابقها مع المعادلة الرياضية ومع بيانات سنوات من تكسير الزجاج والمعكرونة والبلاستيك، وجد تطابقًا مذهلًا. وقد نجحت المعادلة في تفسير كل شيء تقريبًا.

استثناءات وملفات مفتوحة

ومثل أي قانون جنائي، هناك استثناءات. إذ لا ينطبق قانون 'الفوضى القصوى' في الحالات التي تغيب فيها العشوائية تمامًا، مثل تفتت خيط ناعم من السائل إلى قطرات متساوية، أو في حالات بلاستيكية معينة تتفاعل فيها الشظايا مع بعضها البعض.

ويرى فيرينك كون، الفيزيائي بجامعة ديبريسين المجرية، أن فهم 'آلية الجريمة' هذه ليس مجرد ترف فكري؛ بل قد يساعد في تحسين طرق تكسير الخام في المناجم الصناعية أو التنبؤ بانهيارات الصخور القاتلة، مما يحول هذه المعادلة من مجرد أرقام إلى أداة لإنقاذ الأرواح.