اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
تشانغ هوا *
إن يوم 1 أكتوبر من هذا العام يصادف الذكرى الـ 76 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما يصادف هذا العام الذكرى الـ 35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة العربية السعودية. بالنيابة عن السفارة الصينية لدى المملكة، أتقدم بخالص الشكر والامتنان لكل الأصدقاء من مختلف القطاعات الذين دعموا تنمية الصين وساهموا في تعزيز الصداقة الصينية السعودية على الدوام. وإن يوم 23 سبتمبر يصادف اليوم الوطني الـ95 للمملكة العربية السعودية، أود أن أغتنم هذه الفرصة لأقدم للسعودية قيادة وشعباً أخلص التهاني وأطيب التمنيات.
يصادف هذا العام السنة الأخيرة للخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، والتي شهدت تقدم الصين بثبات نحو التحديث الصيني النمط، وإحراز النتائج الجديدة في التنمية العالية الجودة. فقد تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين في النصف الأول من هذا العام 66 تريليون يوان صيني، بمعدل نمو سنوي بلغ %5.3. كما قطعت القوى الإنتاجية الحديثة النوعية شوطاً جديداً يتجسد في إصدار منصة «ديب سيك» التي فاجأت العالم، وتسارع تطوير الرقائق الصينية، والازدهار الملحوظ في مجالات الروبوتات والذكاء الاصطناعي. وبالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ إجراءات جديدة للانفتاح الرفيع المستوى، حيث تم رفع جميع القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع، وتطبيق نظام الإعفاء الكامل من التعريفة الجمركية على منتجات أقل البلدان نمواً، وتوسيع سياسة الإعفاء من التأشيرة بشكل أحادي الجانب باستمرار، الأمر الذي أدى إلى تصاعد شعبية «السياحة في الصين» و»الشراء في الصين». إن مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي تستقر عند قرابة % 30، لتصبح أكبر المحركات المستقرة والموثوقة للعالم، نجحت الصين في خلق معجزة اقتصادية تتسم بتكابر الحجم مع تزايد الاستقرار في النمو، بفضل مرونة السوق الضخمة للغاية وقوة الدعم من نظام القطاعات المتكامل، مما يوفّر طريقاً جديداً لتنمية ونهضة دول الجنوب العالمي.
كما يصادف هذا العام الذكرى الـ80 لانتصار حرب مقاومة الشعب الصيني ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية، ونظمت الصين سلسلة من الفعاليات التذكارية تحت شعار «تذكر التاريخ وتمجيد الأبطال الراحلين والاعتزاز بالسلام وخلق مستقبل مشترك»، أشار فخامة الرئيس شي جينبينغ إلى أن الشعب الصيني قدم مساهمات كبيرة في إنقاذ الحضارة الإنسانية والدفاع عن السلام العالمي بتضحيات الأمة الهائلة، وينبّهنا التاريخ إلى أن البشرية جمعاء تعيش في مستقبل مشترك، والسبيل الوحيد لحماية الأمن المشترك ومنع تكرار المآسي التاريخية هو المساواة في التعامل والتعايش بالوئام والمساندات المتبادلة بين الدول والأمم كافة، تواجه البشرية اليوم مرة أخرى خياراً بين السلام أو الحرب، والحوار أو المواجهة، والكسب المشترك أو ألعاب المحصلة الصفرية، سوف يقف الشعب الصيني بحزم إلى الجانب الصحيح للتاريخ وإلى جانب التقدم البشري، ويلتزم بطريق التنمية السلمية، ويتكاتف مع دول العالم في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
وفي اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون بلاس» الذي عقد في تيانجين بداية سبتمبر الماضي، طرح فخامة الرئيس شي جينبينغ مبادرة الحوكمة العالمية التي تشمل مفاهيمها الرئيسة الالتزام بمساواة السيادة، والالتزام بسيادة القانون الدولي، وتطبيق تعددية الأطراف، والدعوة إلى وضع الشعب في المقام الأول، والتركيز على العمل. وتُعدّ هذه المبادرة منفعة عامة مهمة أخرى تقدّمها الصين للعالم، بعد مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، وتفضي هذه المبادرات العالمية الأربع للعالم المضطرب بالاستقرار واليقين من أربعة أبعاد، وتُبرز دور الصين ومسؤوليتها في الشؤون الدولية. سوف يتمسك الجانب الصيني بمبادئ التشاور والمساهمة المشتركة والاستفادة المتبادلة، وهو مستعد للعمل مع بقية العالم على تنفيذ مبادرة الحوكمة العالمية للدفع إلى بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً.
كما تأتي هذا العام الذكرى الـ35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية السعودية، وعلى مدى 35 سنة، وبتوجيه استراتيجي ورعاية شخصية من قِبل قيادتي البلدين، لقد تطورت العلاقات الصينية السعودية بسرعة وحققت نتائج متقدمة رغم الانطلاق المتأخر، فتوطّدت الثقة السياسية المتبادلة وتكثّفت التبادلات على جميع المستويات، كما حقق التعاون العملي ثماراً متراكمة، وتعمقت المواءمة بين مبادرة بناء الحزام والطريق ورؤية 2030، وتجاوز حجم التجارة الثنائية 100 مليار دولار لثلاث سنوات متتالية، ويشهد التعاون في مجالات البتروكيميائيات والطاقة والبنية التحتية والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء تقدمات بارزة. كما ازدادت التبادلات الشعبية، إذ ترتفع حماسة تعلم اللغة الصينية لدى شعب المملكة، ولاقت سياسة الإعفاء الأحادي الجانب من التأشيرة الصينية للسعوديين الحاملين للجوازات العادية ترحيباً واسعاً. كما يتزامن مع هذا العام «العام الثقافي الصيني السعودي» الأول، حيث نظم الجانبان أكثر من 40 فعالية في مجالات الثقافة والفنون والتعليم والسينما، وسوف يقيمان لاحقاً العديد من الفعاليات المشتركة الرائعة، مما يعمّق الاستفادة المتبادلة بين الحضارتين والتقارب بين الشعبين.
في غياب الاستقرار في الشرق الأوسط، سيكون من المستحيل تحقيق السلام في العالم، فقد استمر الصراع في غزة لما يقارب من عامين، ما تسبب في كارثة إنسانية مروّعة وغير مسبوقة. إن الجانب الصيني يرفض رفضاً قاطعاً تصعيد إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، ويدين إدانة شديدة هجوم إسرائيل على الدوحة، عاصمة قطر. يحث الجانب الصيني إسرائيل على التعامل الجاد مع نداءات المجتمع الدولي، ووقف العمليات العسكرية في غزة على الفور، وتحقيق وقف شامل ودائم لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن، تفادياً لحدوث أزمة إنسانية على نطاق أوسع. إن تفاقم آثار توسيع الصراع في غزة ناجم عن عدم إقامة دولة فلسطينية مستقلة منذ عقود، فالقوة لا يمكن أن تجلب السلام للشرق الأوسط، وإنما الحوار والتفاوض هما المخرج الأساسي. وموقف الصين عن القضية الفلسطينية ثابت ومستمر، إذ نقف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني، وإلى جانب العدالة والضمير الأخلاقي، ونثمّن دور الجانب السعودي المهم ومساهماته القيمة في القضية الفلسطينية. وقد انضمّت الصين إلى إعلان نيويورك، وتدعم المؤتمر الدولي الرفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وحل الدولتين، ومستعدّة للعمل مع الجانب السعودي ومع جميع القوى المحبّة للسلام حول العالم على بذل جهود دؤوبة من أجل تحقيق تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.
في ديسمبر 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة دولة للمملكة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وحضر القمة الصينية العربية الأولى، والقمة الصينية الخليجية الأولى في الرياض، حيث تحققت نتائج غنية. وفي العام المقبل، سوف تستضيف الصين القمة الصينية العربية الثانية، والقمة الصينية الخليجية الثانية، ونحن على يقين بأن القمتين سوف تقودان العلاقات الصينية العربية إلى التطور الشامل والعميق في العصر الجديد، وتعكسان الخيار الاستراتيجي لتعزيز التضامن والتعاون بين الصين والدول العربية في مواجهة التحديات العالمية، وتكتبان فصلاً جديداً مشرقاً في تاريخ علاقاتنا.
سوف تعقد الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني لدراسة الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين. تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، سوف يواصل التحديث الصيني النمط التقدم بوتيرة مستقرة، ويوفر مزيداً من الفرص للتعاون والمنفعة المشتركة بين الصين والعالم، كما سيفتح آفاقاً أوسع أمام التعاون الصيني السعودي.
يستعد الجانب الصيني للعمل مع الجانب السعودي على تنفيذ التوافقات المهمة التي توصلت إليها قيادتا البلدين، واتخاذ الذكرى الـ35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية كنقطة انطلاق جديدة لتعميق المواءمة بين الاستراتيجيات وتوسيع التعاون العملي وتعزيز الحوار الحضاري، وتطبيق مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة الحوكمة العالمية، يداً بيد، مما يقدم القوة والحكمة لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
*سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة