اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة سبق الإلكترونية
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
بريطانيا أوقفت محادثات التجارة وفرضت عقوبات على المستوطنين
بعد أكثر من عامٍ ونصف العام من حربها المدمّرة على قطاع غزة، تجد إسرائيل نفسها اليوم تحت وطأة ضغوطٍ غير مسبوقة، ليست من أعدائها التقليديين؛ بل من أقرب حلفائها الغربيين، ويتصاعد الغضب الدولي، وتتلاشى مساحة المناورة أمام إسرائيل، في ظل إستراتيجية توسيع العمليات العسكرية في غزة، وخُطط تهجير السكان، ومنع المساعدات الإنسانية التي دامت 11 أسبوعاً.
هذا التحوُّل الجذري في المواقف الغربية يطرح تساؤلاً جوهرياً: هل تنجح هذه الضغوط في إجبار إسرائيل على تغيير مسارها، أم أنها ستستمر في تحدّي التحذيرات الدولية، معتمدة على دعم حليفها الأقوى؟تحوُّل المواقف
ولم يكن أحدٌ يتخيل، قبل عامين فقط، أن الحديث عن مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل سيكون مُمكناً، وهذه الاتفاقية، التي تشكّل عصب العلاقات التجارية والعلمية بين الجانبَيْن منذ ربع قرن، أصبحت الآن على طاولة النقاش الجاد، فبعد أن كانت تُعَد من المحرّمات، يعكس هذا النقاش حجم الإحباط والغضب المتزايد في العواصم الأوروبية من استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة؛ فالمملكة المتحدة أوقفت محادثات التجارة، وفرضت عقوبات على المستوطنين، بينما هدّدت كندا وفرنسا بخطواتٍ مشابهة، في حين يراجع الاتحاد الأوروبي علاقته التجارية مع إسرائيل، التي تعَد أكبر شريكٍ تجاري له، هذه الإجراءات، التي لم تكن سوى رمزية في البداية، بدأت تكتسب زخماً، خصوصاً مع تحذيرات جماعات الإغاثة من كارثة إنسانية وشيكة في غزة، وتزايد عدد الضحايا، بما في ذلك وفاة عشرات الأطفال بسبب سوء التغذية، ومقتل أكثر من 53 ألف شخص؛ أي 4% من إجمالي السكان، وفقاً لشبكة 'سي إن إن' الأميركية.
ولا تقتصر الضغوط على الخارج فقط؛ بل تتجلى أيضاً في الداخل الإسرائيلي، الذي يعيش حالة من الانقسام الحاد بشأن الحرب، فرغم إصرار الحكومة، المدعومة من قِبل المتشدّدين اليمينيين، على مواصلة القتال، تتصاعد الاحتجاجات الشعبية أسبوعياً، مطالبة بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وفي استطلاعٍ حديثٍ للرأي، أظهر 61% من الإسرائيليين تأييدهم لإنهاء الحرب مقابل صفقة تبادل للرهائن، في مقابل 25% فقط يؤيدون توسيع العمليات العسكرية.نافذة التهديد
وعلى الرغم من مقاومة إسرائيل للضغوط، فإن رسالة الحلفاء بدأت تتضح: 'نافذة استخدام القوة العسكرية بدأت تغلق'، وهذا التحوُّل قد يعني أن استمرار العمليات العسكرية لفترة أطول سيجعل من الصعب الحفاظ على علاقات طبيعية مع عديدٍ من الدول الغربية، ورغم اتهامات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ لحلفائه بتقديم 'جائزة ضخمة' لمهاجمي السابع من أكتوبر، وتأكيد وزارة الخارجية الإسرائيلية أن 'الضغط الخارجي لن يحرف إسرائيل عن مسارها'، فإن هذه التحديات المتزايدة قد تُحرّك شيئاً ما في الموقف الإسرائيلي، خاصة أن نتنياهو يدرك أن استمرار الوضع الحالي قد يؤثر في دعمه الدولي.
وتبقى الولايات المتحدة، كأقوى حلفاء إسرائيل، صاحبة التأثير الأكبر على حكومة نتنياهو، ورغم استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل كأحد أقوى حلفائها، إلا أن هناك مؤشرات على تباينٍ في المواقف، فقد أبرمت واشنطن صفقة وقف إطلاق نار مع الحوثيين في اليمن دون إبلاغ إسرائيل، وتفاوضت بشكلٍ منفردٍ مع 'حماس' للإفراج عن مواطن أمريكي، وهذا التباين، وإن لم يصل إلى حد القطيعة، يضع ضغطاً على نتنياهو، خاصة مع تصاعد إحباط الإدارة الأمريكية من مسار الحرب.تزايد المخاوف
تتزايد المخاوف داخل إسرائيل نفسها من عواقب أفعالها، فزعيم حزب الديمقراطيين اليساري المعارض، الجنرال المتقاعد يائير جولان؛ حذّر من أن إسرائيل 'في طريقها لتصبح دولة منبوذة'، وقد ظهر تأثير الضغوط الخارجية أخيراً، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي عن سماحه بدخول 'كمية أساسية من الغذاء' إلى غزة، واعترف نتنياهو بأن نشوء 'حالة مجاعة' في القطاع سيُفقد إسرائيل الدعم الدولي، حتى من أشد مؤيديها في الكونغرس الأمريكي.
حتى لو لم تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لإجبار إسرائيل على تغيير إستراتيجيتها بشكلٍ كبيرٍ، يمكن لأوروبا أن تمارس ضغوطاً خاصّة بها، والتعليق الجزئي لاتفاقية الشراكة، الذي لا يتطلب إجماع جميع الدول الأعضاء، يمكن أن يكون مؤلماً لإسرائيل، فذلك قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية أعلى على المنتجات الإسرائيلية أو منع إسرائيل من المشاركة في مشاريع الاتحاد الأوروبي المرموقة، مثل برنامج 'أفق أوروبا' للبحث والابتكار الذي تبلغ قيمته أكثر من 100 مليار دولار، ولقد استخدم الاتحاد الأوروبي سلطته في الماضي للضغط على الدول بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وغالباً ما كانت هذه الانتهاكات أقل خطورة من الوضع الحالي في غزة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل يكسر الاتحاد الأوروبي 'استثنائية' إسرائيل، ويفرض عليها الإجراءات نفسها التي يتخذها ضدّ دول أخرى في حالات انتهاك حقوق الإنسان أو ضم الأراضي؟