اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ١٣ حزيران ٢٠٢٥
في المملكة العربية السعودية، لا يُعد ختام مناسك الحج نهايةً لرحلة روحانية فحسب، بل بداية لطقس اجتماعي عريق يتمثل في 'هديّة الحاج' أو 'هديّة الحج'.
هذه العادة المتأصلة في الثقافة السعودية تحوّلت من مجرد تقديم ماء زمزم أو علبة تمر، إلى فعلٍ مليء بالمعنى، تقوده اليوم شريحة متزايدة من النساء السعوديات الشابات.
ففي حين ما تزال الهدايا التقليدية تحظى بمكانتها، بدأ يظهر توجه جديد يجمع بين الروحانية واللمسة الشخصية.
نوال السبيعي، شابة في الثلاثين من عمرها، اختارت أن تشارك تجربتها الروحية بأسلوب مختلف، قائلة: 'ما كنت أبغى أرجع وأوزّع قوارير بلاستيك وأقول: أنا حجّيت. فجمّعت زمزم، وسبَح منقوشة، وبطاقات دعاء مكتوبة بخط يدي لكل صديقة. كانت طريقتي أشاركهم التجربة'.
تتحوّل هدية الحج في هذه الرؤية الجديدة إلى مرآة للتجربة الروحية التي خاضها الحاج. فبدلًا من الاقتصار على ما هو مألوف، باتت الهدايا تعبّر عن لحظات عاشها الحاج، ومشاعر لمسها قلبه. الشابة دانا الحمدان، 26 عامًا، قررت توثيق تلك المشاعر عبر الصور الفورية التي التقطتها خلال الحج. إحدى الصور كانت من عرفات قبيل غروب الشمس، وأخرى لحظة وصولها إلى منى. 'أعطيتها لأختي التوأم. ما كانت صورًا مرتبة، كانت صادقة وشخصية'، تقول دانا، مشيرة إلى أن هذه الصور أصبحت تذكارًا تتداوله الأيدي والقلوب، أكثر من كونه هدية مادية.
التوجه الجديد في تقديم الهدايا بعد الحج يجد صداه أيضًا على منصات التواصل الاجتماعي. عبر 'إنستغرام' و'تيك توك'، تظهر فيديوهات لصناديق مصممة بأجواء الحج، فواصل قرآنية محفورة، سبَح يدوية، أكياس مخملية، زيوت عطرية، وتذكارات صغيرة تُعبّر عن لحظات لا تُنسى من أيام المشاعر. إلا أن اللافت في كل ذلك ليس البذخ، بل القصد. إذ تُعد هذه الهدايا غالبًا في لحظات تأمل وسكينة، وتُرفق بدعاء خاص أو آية قرآنية تعبّر عن تجربة شخصية أو تمنٍّ محدد، كدعاء بالشفاء، أو آية عن الصبر.
لطيفة الدوسري، شابة أخرى تبلغ من العمر 27 عامًا، اختارت أن تُقدّم سبَحًا داخل أكياس مخملية صغيرة، مرفقة برسائل تصف شعورها في كل يوم من أيام الحج. 'كأنك تكتب رسالة من منى'، تقول لطيفة، في تعبير عاطفي عن محاولة استحضار التجربة الروحية من جديد.
ما يحدث مع هدايا الحج هو انعكاس لتحوّل أوسع نحو روحانية أكثر صدقًا وتعبيرًا، خاصة بين النساء الشابات. فالحج لم يعد بالنسبة للكثيرات مجرد فرضٍ ديني يُؤدّى، بل ذكرى حميمة يُراد لها أن تُشارك وتُروى، بلغة الهدايا الصامتة التي تقول: 'ذكرتك… وحملت اسمك… ولم تكن هذه الرحلة لي وحدي'.
في النهاية، لا تكمن قيمة هدية الحج في زجاجة زمزم أو السبحة أو الصورة، بل في النية التي تقف خلفها. إنها طقس ختامي يعيد ربط الحاج بعائلته ومجتمعه، ليس بالحجر أو النصوص، بل بالدعاء والحب. ولعل أصدق تعبير عنها هو تلك الرسالة غير المنطوقة التي تقول: 'كنتَ معي… حتى وأنا بعيدة'.