اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
د. فهد إبراهيم البكر
يشير مفهوم الثقافة في معاجم اللغة إلى ما يتقنه الإنسان، أو ما يبدع في إنجازه وتحقيقه؛ لذلك جاء في (تهذيب اللغة) للأزهري: «ويقال: ثقف الشيء، وهو سرعة التعلّم». وجاء في (المعجم الوسيط): «ثقف: صار حاذقاً فطناً، فهو ثقف، والعلم والصناعة حذقهما، والشيء ظفر به، وفي التنزيل العزيز: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، ثقف فهو ثقيف، وفلان صار حاذقاً فطناً. (ثقف) الشيء: أقام المعوج منه، وسوّاه، والإنسان: أدّبه، وهذّبه، وعلّمه. (تثاقفوا): ثاقف بعضهم بعضاً. (تثقف) مطاوع ثقفه، ويقال: تثقّف على فلان، وفي مدرسة كذا. (الثقافة): العلوم، والمعارف، والفنون التي يطلب الحذق فيها». وخلاصة القول في لفظة (الثقافة) أنها تشتمل على معانٍ عدة لها من العمق، والثراء، والشمول، والتوسع ما يجعلها منفتحة على مجالات علمية واسعة، وجوانب معرفية متنوعة.
إن الثقافة مفهوم واسع يدخل في حيزه كل ما يثقفه الإنسان في مجال ما، أو في ميدان معين، في ضروب العلم، والمعرفة، وعلى كل حال فالثقافة هي «جزء مهم في حياة الإنسان بوصف عضوًا في مجتمع»، ومن هنا يمكن القول: إن الثقافة بمفهومها الشامل تتوجه إلى نظام عام، وأفق مفتوح، بحيث تضم مجموعة من الأنظمة المتنوعة: المادية، وغير المادية، فهي تفاعل بين الإنسان وبني جنسه، والبيئة المحيطة به، ومعنى ذلك أن الثقافة نسيج متواشج، وفضاء متكامل، يشمل الأفكار، والمعارف، والعادات، والتقاليد، والقيم، والمبادئ، وأساليب العيش، وأنماط السلوك، وما يتبع ذلك من تجديد، وتطوير، وابتكار.
وتعدّ الثقافة جزءاً من المكوّن اللغوي، والنسيج الاجتماعي، وثقافة كل أمة كامنة في أدبها ولغتها، ونصوصها الأدبية، وأعمالها الإبداعية. فهذه الأشياء من أهم المقومات الثـقـافـيـة. ومـا مـن حـضـارة إنسانية إلا صحبتها نهضة أدبية ولغوية؛ لذلك أصبح الأدب والمظاهر اللغوية كرابطة عقد للخريطة المعرفية، وكالركيزة الأساس لفلسفة العلم والثقافة، وما من مذهب فلسفي إلا وله شقه الأدبي واللغوي، وما من فرع من فروع الفن إلا ويشارك الأدب واللغة كـثـيـرًا مـن سماتهما، وما من فرع من فروع العلم، إلا وله صلته بالأدب واللغة، ولعل حضور السرد في كل ثقافة دليل واضح على تلك الصلة، كما يقول العالم البلجيكي (إيليا بريجوجين 2003م).
إن الثقافة اليوم أداء منظّم يتوقف بصورة رئيسة على أداء مبدعيها، ومستوى إدراكهم لمجتمعاتهم التي يعيشون فيها، والبيئة المحيطة بهم من حولهم؛ ولهذا فإن الإبداع مرتبط بالثقافة، بل هو محرك قوي لها، فإذا نشط نشطت الثقافة، وإذا خفّ وهجه خفت وهج الثقافة، ومن هنا أضحت الثقافة انسجاماً بين الفرد، ومجتمعه، وبيئته، سواء أكان ذلك عن طريق المبادئ، والأفكار، والقيم، أم عن طريق الفنون، والآداب، والتكنولوجيا، فمن هنا اكتسبت الثقافة خصوصية الفكر، والسلوك، والحضارة، والإبداع، والعلوم.
ونظراً إلى التنوع الثقافي الذي نلحظه اليوم، فإننا بإزاء مصطلحات أخرى ولدت من رحم الثقافة، كالتنشئة الثقافية، وبرامج الإحياء الثقافي، والتراث الثقافي، والملكية الثقافية، والمشهد الثقافي، والسياحة الثقافية، والمادية الثقافية، وميادين المعرفة الثقافية، والدراسات الثقافية، والنقد الثقافي، وعلم النفس الثقافي، والتاريخ الثقافي، والجغرافيا الثقافية، والتطور الثقافي، والنشاط الثقافي، والإنتاج الثقافي، والأسواق الثقافية، وغيرها؛ لذا صارت الثقافة تمثّل عملية عامة من التنمية الاجتماعية، ومعياراً للتقدم، والتطور الإنساني، وشكّلت بذلك مجموعة من التدفقات والعلاقات التي تكمن وراء نمو الحياة علمياً، ومعرفياً، وفكرياً، وأصبحت تكشف عن مكونات أخرى ذات علاقة وطيدة، كالبيئة، والمجتمع، والتكنولوجيا، وغيرها.