من يحب الرياضيات؟

د. محمد المسعودي

مع نجاحات 'موهبة' تعد مسابقة 'كانجارو موهبة للرياضيات' تأهيلاً للطلبة نحو بيئة تعليمية تنافسية محفزة لتعليم 'الرياضيات' يحفها الشغف والمتعة، ورغبةً في تكوين الطلبة لإتقان المعرفة الرياضية بمهارات عالية، وتطبيق مفاهيم مرتبطة بحياتهم اليومية..

أولاً للإجابة عن السؤال أعلاه مباشرة، ثمة دراسات أُجريت في الولايات المتحدة حسب الـ BBC، أشارت إلى أن 93 في المئة من البالغين هناك، يرون أنهم يعانون من قدر من القلق حيال الرياضيات، ولا يقتصر الأمر على البالغين؛ فبحسب تقرير في مجال التعليم أعدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، قال نحو 31 في المئة من الصبية -ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاما في 34 من دول العالم- إنهم يشعرون بالتوتر الشديد، وهم يعكفون على حل المسائل الحسابية.

وأشار التقرير كذلك إلى أن 33 في المئة من هؤلاء البالغين، كشفوا عن أنهم يشعرون بالتوتر خلال أداء واجباتهم المنزلية في الرياضيات، ورأى قرابة 60 في المئة أنهم يتخوفون من صعوبة دروسهم المدرسية في هذه المادة.

وتقول سيان بيلوك، خبيرة في مجال العلوم المعرفية ورئيسة كلية بارنارد في نيويورك، إن الفكرة السائدة بأن المرء إما جيد بالفطرة أو سيئ بالسليقة في التعامل مع الرياضيات، لا تزال قائمة في الغرب، وأنه المقبول اجتماعيا هناك -على ما يبدو- أن يكون المرء فاشلا في ذلك تحديداً.

المقدمة أعلاه كانت مدخلاً نحو قصة عظيمة في عالم 'الرياضيات' وشغف محبيها وموهوبيها، حيث خرج مجموعة من علماء الرياضيات في أستراليا بفكرة تنظيم مسابقة تُبرز متعة 'الرياضيات'، وتشجع حل المشكلات الرياضية ومسائلها واحتياجاتها، حتى توصلوا لإنشاء مسابقة 'الاختيار من متعدد' عام 1978م.. وبعد سنوات قليلة من الشغف، شاركت 80 ٪ من المدارس فيما يسمى بمسابقة الرياضيات الأسترالية حينها.

وامتداداً بعدها إلى جميع أنحاء العالم، وتحديداً في 'فرنسا' ظهر تجمع وعلى نطاقٍ واسعٍ نحو تشجيع 'الرياضيات' ودعمها علمياً؛ ورغم صعوبة الفكرة انبثقت مسابقة ما نسميه اليوم، 'الاختيار من متعدد' من مدرسين فرنسيين.. أندريه ديليديك، وجان بيير بودين، اللذين زارا زميليهما الأستراليين بيتر هولوران وبيتر تايلور في أستراليا حينها، وقررا التعاون بينهما في عام 1990م، اتفقوا وقرروا بدء تحدٍ في فرنسا تحت مسمى 'تحدي الكانجارو' من أجل تكريم زملائهم الأستراليين!

كانت فكرة هذا التحدي رغبةً عالميةً نحو المسابقة وانتشارها وخلق اتجاهات محببة نحو 'الرياضيات'، حتى تم إجراء أول تحدٍ لـ'كانجارو' في 1991م، وكان ناجحًا لدرجة كبيرةٍ جداً، لم يلبث حتى انتشرت الفكرة في كافة أوروبا وفي وقت قصير.

في مايو 1993م، شاركت ثلاث فرق من المعلمين من رومانيا وبولندا وبلغاريا في مسابقة 'الكانجارو' مع فرنسا والعديد من علماء الرياضيات وخبرائها ومنظمي المسابقات الرياضية من عدة دول أوروبية.. أُعجب كل منهم بالعدد المتزايد من المشاركين في هذا التحدي حتى بلغ النصف مليون مشارك في 1993م، من سبع دول.. بيلاروسيا، المجر، هولندا، بولندا، رومانيا، روسيا، وإسبانيا، وبنجاحٍ باهر في جميع هذه البلدان، وبولادة مسابقة دولية للترويج لنشر الثقافة الرياضية الأساسية.

في العام 1995م تم تسجيل 'المسابقة' رسمياً في باريس، وانتخاب المجلس واعتماد النظام الأساسي قانونيًا؛ لتنتشر المسابقة وتشمل دول آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، حتى وصلت المشاركة الآن في المسابقة ما يتجاوز الـ 6 ملايين طالب من أكثر من 70 دولة!

إن الموهوبين والمبدعين في كل أرجاء العالم، هم قادة المستقبل وركيزة الأوطان الاستثنائية في نهضتها ورقيها، بل والرقم الأصعب الذي صنع من المعرفة مدخلاً رئيساً للتطور، واستثمر رأس ماله الفكري، وبنى منه جسراً لبلوغ المواقع المتقدمة على خارطة العالم بين أقرانه في المعرفة والموهبة والإبداع ومنصات التتويج.

لذلك كانت المملكة ممثلةً بمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة الإبداع 'موهبة'، تقدمت ريادةً كعادتها بطلب الانضمام للمنظمة رسمياً في العام 2016م، وتمت الموافقة بالإجماع على انضمام المملكة لمنظمة 'كانجارو بلا حدود' في الاجتماع الأخير الذي عقد بدولة أوكرانيا في 2016م.

ومع نجاحات 'موهبة' تعد مسابقة 'كانجارو موهبة للرياضيات' تأهيلاً للطلبة نحو بيئة تعليمية تنافسية محفزة لتعليم 'الرياضيات'، ورغبة لتكوين الطلبة في إتقان المعرفة الرياضية، وتطبيق مفاهيم مرتبطة بحياة جديدة مميزة يومية!.

وهذا العام انطلقت 'موهبة' كعادتها بحملة إعلامية إعلانية مميزة مع شريكها الاستراتيجي وزارة التعليم من أجل أن ينافس طلبتنا 6 ملايين طالب وطالبة من مختلف أنحاء العالم ويخوضون المسابقة ويرفعون الخفاق الأخضر على منصات التتويج كعادتهم.

ختاماً، إن النجاحات التي تحققت تؤكد ثبات خطوات المملكة في مسيرتها نحو التقدم والرقي، وتعكس القفزات النوعية لمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع والتي تتحقق عاماً بعد عام ويوماً بعد يوم، مسهمةً في تحقيق رؤية سمو ولي العهد لرفع جودة التعليم ليصبح بين 20 إلى 30 أفضل نظام تعليمي في العالم، لتبقى 'موهبة' حيث تنتمي!