اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
ضياء الدين سعيد بامخرمة *
فريضة الحج هي الركن الخامس من أركان الإسلام، وهي ليست مجرد شعيرة دينية يؤديها المسلمون كل عام، بل هي أعظم تجمّع روحي عرفته البشرية، تتجلى فيه معاني الوحدة والمساواة، وتجتمع فيه القلوب قبل الأجساد، في موسم يسمو فوق كل الحدود السياسية والانقسامات الجغرافية أو العرقية.
في هذا الموسم المبارك، يُظهر المسلمون من مختلف أنحاء العالم كيف يمكن للتنوع أن يتحول إلى مصدر قوة لا ضعف، حين يجتمعون على كلمة سواء، بقلوب متوجهة إلى خالقها، وبنية صادقة في طلب الغفران والوحدة، إنه درس سنوي بليغ في التسامح والانفتاح، ينبغي أن يمتد أثره من الميدان الروحي إلى العلاقات بين الدول والشعوب.
إننا نؤمن بأن الحج ليس فقط شعيرة فردية، بل مناسبة سنوية تُجدَّد فيها معاني التضامن الإسلامي، وتعزز أواصر الأخوة بين الدول، فكما يجتمع الحجاج في صعيد واحد، يجب أن تجتمع كلمة المسلمين على صعيد السياسة والحوار والتعاون، من أجل مصلحة الشعوب واستقرار الأوطان، بل وتمتد أيديهم بالمحبة والسلام إلى بقية الشعوب والأمم كما أمر الله تعالى.
وهنا يبرز الدور الكبير لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تمثل المظلة الجامعة للعالم الإسلامي، والتي ينبغي أن تكون منبراً لتقريب وجهات النظر، وتحقيق التنمية، والدفاع عن قضايا ومصالح دولها الأعضاء، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والتحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في العالم.
إن الحج يعلّمنا أن اتحادنا ليس خياراً بل ضرورة، وأن صوت الحكمة يكون أقوى حين ينبع من موقف موحد ورؤية مشتركة.
ومن موقعنا الدبلوماسي، نرى في الحج فرصة لتلاقي الثقافات الإسلامية المختلفة، وتبادل الخبرات، وتعميق أواصر التعاون بين الشعوب الإسلامية، وهو ما ينبغي أن نحرص عليه جميعاً في مؤسساتنا الدبلوماسية، ونعمل على ترسيخه كقيمة دائمة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
وتسعى بلدي جمهورية جيبوتي بمواقفها السياسية المتزنة والمعتدلة، ومن خلال عضويتها الفاعلة في منظمة التعاون الإسلامي، إلى أن تظل جسراً للتواصل والحوار، ومنبراً للتنسيق بين الدول الإسلامية في مختلف القضايا، إيماناً منها بأن التحديات الكبرى التي تواجه أمتنا لا يمكن تجاوزها إلا من خلال وحدة الكلمة وتضافر الجهود. كما لا يفوتني، بوصفي عميدًا للسلك الدبلوماسي في الرياض، أن أُثني على ما تقوم به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان من جهود جبارة في خدمة ضيوف الرحمن، لقد أصبحت شعيرة الحج نموذجاً عالمياً في التنظيم، والتفويج، والإدارة الذكية للحشود، فضلاً عن الرعاية الصحية واللوجستية التي تضمن لمليوني حاج أداء مناسكهم بيسر وأمن وطمأنينة.
نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يُعيدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين كيوم ولدتهم أمهاتهم، وأن يُديم على المملكة العربية السعودية الشقيقة أمنها واستقرارها ورخاءها، ويجزي قيادتها الحكيمة خير الجزاء على ما تبذله من أجل رفعة الإسلام وخدمة المسلمين، كما نسأله سبحانه أن يوحّد صف الأمة، ويُلهِم قادتها الحكمة والعزم في مواجهة التحديات، والسعي نحو مستقبل يسوده السلام والازدهار.