اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
الرياض - الثقافي
في عام يتجدد فيه الحضور الثقافي السعودي بمساراته المؤسسية والتنظيمية، يرصد تقرير الحالة الثقافية في المملكة 2024م في فصله المعنون بـ»الإدارة والصون» ما تحقق من جهود نوعية في حفظ اللغة العربية وصون التراث المادي وغير المادي، وتطوير البنية الثقافية وفق رؤية وطنية تسعى إلى جعل الثقافة قوةً دافعةً للتنمية ومصدرًا للهوية والانتماء.
يبدأ التقرير بالإشارة إلى استمرار المشاريع التقنية التي أطلقتها وزارة الثقافة لخدمة اللغة العربية وتعزيز حضورها في فضاءات الذكاء الاصطناعي، من خلال تأسيس «مركز ذكاء العربية» المتخصص في تطوير النماذج اللغوية ومعالجة البيانات العربية آليًا. كما أطلقت الوزارة منصات متقدمة مثل «فلك» للمدونات اللغوية و»بلسم» لقياس جودة النماذج، إلى جانب مؤشرات ومراصد ترصد واقع اللغة العربية في مجالات التعليم والإعلام والمجتمع.
وشهد العام 2024 نموًا لافتًا في حركة الترجمة والتعريب بنسبة بلغت 25 % عن العام السابق، إذ تُرجم ما يزيد على 740 كتابًا من العربية وإليها، ما يعكس اتساع الاهتمام بالمعرفة العابرة للغات. كما أُصدر الإطار الإرشادي لحقوق الطفل اللغوية، وجرى دمج مركز الملك عبدالله للتخطيط والسياسات اللغوية مع مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية، في خطوة تهدف إلى توحيد الجهود الوطنية في السياسات اللغوية والتخطيط الثقافي.
أما في مجال التراث، فيبرز التقرير الجهود المبذولة لتوثيق وحماية المواقع الأثرية في مختلف مناطق المملكة، حيث أُضيف 470 موقعًا جديدًا إلى السجل الوطني للتراث المادي، ليصل إجمالي المواقع المسجلة إلى أكثر من 23 ألف موقع أثري، إضافة إلى تسجيل 24 موقعًا تراثيًا صناعيًا.
كما ارتفع عدد العناصر السعودية المسجلة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي إلى ثمانية عناصر بعد تسجيل أربعة عناصر جديدة أبرزها القهوة العربية والورد الطائفي والحناء والسمسمية، وهو ما يعكس التنوّع الغني للثقافة السعودية وارتباطها بالحياة اليومية وموروثها الإنساني.
وفي السياق ذاته، أطلقت الوزارة مشروعًا وطنيًا لحصر وأرشفة وإدارة الأصول التراثية رقميًا ضمن قاعدة بيانات موحدة، بما يتيح توثيقها وفق معايير دولية تحفظ قيمتها التاريخية وتسهّل دراستها أكاديميًا وسياحيًا. كما شهدت عمليات التنقيب الأثري نشاطًا متجددًا، إذ أسفرت أعمال البحث في عدد من المناطق -مثل خيبر والعلا- عن اكتشافات جديدة تسهم في إثراء المشهد التاريخي للمملكة.
يتناول التقرير جانب البنية الثقافية مشيرًا إلى استمرار برامج الترميم والتطوير للمباني والقرى التراثية، رغم محدودية بعض البيانات الخاصة بالمرافق الثقافية. وقد شهد العام افتتاح بيت التراث في الباحة، ومركزًا للفنون السينمائية في الرياض، وعددًا من بيوت الحرفيين في الدمام وأبها وسكاكا. كما بلغ مجموع المباني والقرى التراثية المسجلة بالمنطقة الجنوبية وحدها المئات، مما يعزز مفهوم السياحة الثقافية ويجعل من هذه القرى مقاصد حية للزوار والسياح من داخل المملكة وخارجها.
أحد أبرز إنجازات عام 2024 كان التقدم في مجال الحوكمة والتنظيم، إذ صدرت تنظيمات جديدة لعدد من الهيئات الثقافية، وتأسس صندوق استثماري لصناعة الأفلام بالشراكة مع بنوك محلية، إضافة إلى استمرار عمل الصندوق الثقافي الذي قدم دعمًا ماليًا تجاوز 195 مليون ريال، استفاد منه أكثر من 600 فنان ومؤسسة ثقافية عبر برامج المنح والمنافسات. كما أُطلقت الدورة الأولى للمنح البحثية الثقافية التي تهدف إلى تطوير الدراسات التطبيقية حول أثر الثقافة والإبداع.
يرى التقرير أن جهود الإدارة والصون في عام 2024 مثّلت خطوة راسخة في طريق الاستدامة الثقافية، من خلال الجمع بين الحماية القانونية، والتوثيق العلمي، والتحول الرقمي، والاستثمار في رأس المال البشري والمعرفي. كما يؤكد على أن هذه الخطوات جعلت المملكة اليوم أكثر حضورًا في خارطة التراث العالمية، إذ لم تعد الثقافة المحلية مجرد موروث جامد، بل أصبحت موردًا معرفيًا واقتصاديًا وإنسانيًا يعكس رؤية المملكة في أن تكون مركزًا حضاريًا عالميًا يعبر عن أصالتها وانفتاحها على العالم.
وبلغة الأرقام والسياسات معًا، يختتم التقرير فصله بالتأكيد على أن الإدارة والصون لم تعد وظيفة حِفظٍ للماضي فحسب، بل أصبحت أداةً لصناعة المستقبل الثقافي، تُعيد تعريف العلاقة بين التراث والهوية، وبين الثقافة والتنمية، لتشكل بذلك ركيزة أساسية في مشروع المملكة الثقافي الطموح نحو عام 2030 وما بعده.










































