اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- افتتاح 'متحف البحر الأحمر' 6 ديسمبر 2025 داخل باب البنط التاريخي بجدة
- أكثر من ألف قطعة أثرية في 23 قاعة مخصصة لتراث البحر الأحمر
- عبر المتحف الجديد تراث السعودية يتحول إلى وجهة سياحية عالمية ومحرك اقتصادي
في خطوة تعزز طموحات السعودية نحو بناء اقتصاد ثقافي مستدام، أعلنت هيئة المتاحف في المملكة، مؤخراً، استعدادها للافتتاح الرسمي لمتحف البحر الأحمر يوم السبت 6 ديسمبر 2025، في قلب جدة التاريخية، الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2014.
ويأتي هذا الافتتاح كتتويج لجهود استمرت خمس سنوات، حيث أُعلن عن المشروع في سبتمبر 2020 ضمن مبادرات برنامج جودة الحياة التابع لرؤية السعودية 2030، وكان من المقرر افتتاحه أواخر 2022 قبل تأجيله لضمان الامتثال لأعلى معايير الاستدامة البيئية والحفاظ على التراث.
صرح معرفي
وفقاً لإعلان هيئة المتاحف الصادر يوم 21 نوفمبر 2025، سيكون المتحف صرحاً ثقافياً ومعرفياً يجسد التزام السعودية بصون الإرث الطبيعي والإنساني للبحر الأحمر، الذي يمتد على طول 2,200 كيلومتر ويربط بين ثلاث قارات، مما يجعله جسراً حضارياً يعكس تاريخ التجارة والحج والتبادل الثقافي عبر العصور.
ويقع المتحف داخل مبنى باب البنط التاريخي، الذي بني في أوائل القرن العشرين كبوابة جمركية رئيسية لمدينة جدة، وكان يُعرف بـ'البوابة الأولى إلى الحجاز'، حيث كان يستقبل ملايين الحجاج والتجار من آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وأُعيد ترميم المبنى بتكلفة غير معلنة، وفق أعلى معايير الاستدامة البيئية، بما في ذلك استخدام مواد محلية وتقنيات توفير الطاقة، ضمن برنامج جودة الحياة الذي يهدف إلى تحسين جودة الحياة لـ25 مليون سعودي بحلول 2030.
من جانبه أكد الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة المتاحف، في تصريح نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) يوم 21 نوفمبر 2025، أن 'متحف البحر الأحمر يجسّد التزام المملكة في صون وحفظ تراثنا الوطني، وفق رؤية المملكة 2030، وبناء بنية ثقافية تعزّز جودة الحياة من خلال الثقافة والفنون والتعليم، وتمكين المبدعين'.
ويُعد هذا الافتتاح جزءاً من استراتيجية أوسع للقطاع الثقافي، الذي خصصت له المملكة 2.8% من ميزانية رؤية 2030، بما يعادل نحو 64 مليار ريال (17 مليار دولار) حتى الآن، لتحويل الثقافة إلى محرك اقتصادي يساهم بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد.
فن معماري وهندسة تشغيلية
من الناحية المعمارية والتشغيلية يمتد المتحف على مساحة 5,000 متر مربع، مقسمة إلى 23 قاعة تعرض أكثر من 1,000 قطعة أثرية وفنية عبر سبعة محاور رئيسية هي: تاريخ مبنى باب البنط وتحولاته، وأصول البحر الأحمر ودلالاته الثقافية، وأدوات الملاحة والخرائط البحرية، والتنوع البيئي وثراء المجتمعات الساحلية، والتجارة البحرية ورحلات الحج، والأعمال الفنية المعاصرة التي تربط الماضي بالحاضر.
وتشمل المقتنيات النادرة خزفاً صينياً يعود إلى القرن الثامن عشر، ومباخر عود مصنوعة يدوياً، وقطعاً مرجانية من شعاب البحر الأحمر، وحلياً تقليدياً، وأدوات ملاحة برونزية، ومخطوطات إسلامية، وصوراً أرشيفية لرحلات الحج في العصر العثماني.
كما يضم أعمالاً فنية حديثة لفنانين سعوديين، إضافة إلى تعاون دولي مع مؤسسات مثل المتحف البريطاني واللوفر الفرنسي لضمان أعلى معايير الحفظ لهذه الأعمال.
ويتميز المتحف بتكامل تقنيات معاصرة، مثل الواقع الافتراضي لمحاكاة رحلات الحج التاريخية، والذكاء الاصطناعي لتحليل الخرائط البحرية القديمة، مما يوفر تجربة تفاعلية تعمق الفهم للبحر الأحمر كفضاء للتبادل المعرفي والاجتماعي.
ووفقاً لتقرير هيئة المتاحف الصادر في يوليو 2025، سيستضيف المتحف مؤتمر البحر الأحمر الـ12 في أبريل 2026، بدعوة للباحثين في مجالات الآثار والبيئة لتقديم أوراق بحثية، مما يعزز دوره كمركز للحوار العلمي الدولي.
السياحة الثقافية
ثقافياً يُعد المتحف ركيزة أساسية في استراتيجية السعودية للحفاظ على الهوية الوطنية، حيث يروي قصة البحر الأحمر كمحور حضاري شكل هوية جدة ومكة والمدينة المنورة عبر قرون، من خلال قصص الملاحة البحرية والتجارة التي ربطت الشرق بالغرب.
كما يُبرز التنوع البيئي للشعاب المرجانية، التي تضم أكثر من 1,200 نوع من الأسماك، وفق دراسة سعودية نشرتها هيئة البيئة البحرية في أكتوبر 2025، مما يجعله مؤشراً بيئياً لصحة المنطقة.
واقتصادياً يعكس المتحف التزام السعودية برؤية 2030، التي تهدف إلى زيادة الإنفاق الثقافي بنسبة 100%، وتمكين 100,000 مبدع سعودي، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكاً وإبداعاً.
أما سياحياً فإن المتحف يُتوقع أن يجذب 500,000 زائر سنوياً في السنوات الأولى، مدعوماً ببرنامج عام يشمل ورش عمل 'صُنع في البحر الأحمر' لتدريب الحرفيين، ومشاريع 'فن البحر الأحمر'، وعروض 'موسيقى البحر الأحمر' التي تجمع الأصالة بالتجريب، وفق وكالة 'واس'.
وحسب تقرير منظمة السياحة العالمية (UNWTO)، الصادر في سبتمبر 2025، أسهمت المشاريع الثقافية في السعودية بزيادة السياحة بنسبة 25% منذ 2020، مع إيرادات بلغت 180 مليار ريال في 2024.
ويُشكل المتحف وجهة متكاملة في جدة التاريخية، التي تستقبل 7 ملايين سائح سنوياً، ويربط بين التراث والحداثة، مما يعزز من جاذبية السعودية كوجهة ثقافية تنافس أوروبا وآسيا.
وفي هذا السياق يقول الكاتب السعودي محمد الحمزة إن قطاع السياحة الثقافية في المملكة يشهد تطوراً كبيراً باعتباره أحد أهم الموارد غير المستغلة سابقاً، رغم امتلاك المملكة مخزوناً هائلاً من التراث العمراني والمواقع الأثرية والمقومات التاريخية.
ويشير الحمزة في مقاله المنشور على موقع 'العربية نت'، إلى أن السياحة الثقافية تمثّل عالمياً أكثر من 10% من إجمالي الحركة السياحية، وتنمو بمعدّل 15% سنوياً، وهو ما يجعل الاستثمار في الثقافة والتراث رافعة اقتصادية ذات أثر مباشر على زيادة الدخل الوطني وخلق فرص العمل.
وتؤكد الدراسات التي استشهد بها الحمزة، ومنها دراسة مشتركة بين منظمة السياحة العالمية والبنك الدولي، أن الاستثمار في التراث الوطني ينتج منافع اقتصادية فورية من خلال أعمال الترميم والتطوير، إضافة إلى أثر طويل المدى يتمثل في تجديد المناطق الحضرية واستدامة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالثقافة.
يذكر أن افتتاح المتحف يأتي وسط حملة سعودية لتحويل الثقافة إلى أداة تنموية، حيث ارتفع عدد المتاحف من 12 في 2016 إلى 25 في العام 2025، مع خطط لـ40 متحفاً إضافياً.
وتشير دراسة نشرتها هيئة السياحة السعودية في يوليو 2025 إلى أن السياحة الثقافية ساهمت بنسبة 12% من الإيرادات السياحية البالغة 275 مليار ريال، وتُتوقع أن تصل إلى 500 مليار بحلول 2030.










































