اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الرياض - رؤى مصطفى
في لحظةٍ تتقاطع فيها التقنية مع الوعي، وتتشكل فيها ملامح العصر الرقمي على إيقاعٍ سريع لا يمهل المتلقي كثيرًا للتأمل، احتضنت جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لقاءً نوعيًا يجمع الفكر بالممارسة، ويضع الإعلام الحديث تحت مجهر المسؤولية. اللقاء جاء بتنظيم من مقهى نورة الثقافي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبالتعاون مع قسم الصحافة والإعلام، حيث قدّم الزميل مدير التحرير عبدالله الحسني جلسة حوارية حملت عنوان «الإعلام الرقمي والجرائم المعلوماتية: حدود النشر ومسؤولية المحتوى»، وسط حضور مميز من عدد من الكُتّاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس.
في مستهل اللقاء عبّر الحسني عن تقديره للجامعة ودورها الذي يتجاوز الأداء الأكاديمي إلى بناء وعي فكري حيّ، وإحياء فضاءات الحوار، إيمانًا بأن المعرفة تنمو حين تتجاوز الجدران وتتنفس في رحاب النقاش المفتوح. ومن هذا الأفق بدأت الأسئلة الكبرى للزمان الرقمي: كيف أصبح العالم نافذة علينا لا مجرد نافذة نطل منها؟ وكيف تحوّل كل هاتف إلى أستوديو، وكل مستخدم إلى ناقل للخبر وصانع للرأي ومؤثر في الوعي العام؟
المشهد الإعلامي اليوم، كما طرح الحسني، لم يعد قائمًا على التلقّي وحده، بل على المشاركة، والتفاعل، والانتشار اللحظي. ومع هذا الاتساع الهائل للأدوات والمنصات، تبرز الحاجة إلى قيم تضبط المسار: النزاهة، والدقة، والوعي الأخلاقي، واحترام الأنظمة. فالحرية ليست نقيضًا للمسؤولية، بل رفيقًا لها. والفضاء الرقمي ليس بلا حدود، فهناك قوانين تحمي المجتمع وحقوق الأفراد وتصون الكرامة، وتجرّم التشهير، وانتهاك الخصوصية، وبث الكراهية، وتضليل الجمهور، والتلاعب بالمحتوى والسياق.
عبدالله الحسني: الكلمة أثر يبقى وذاكرة لا تنسى
وأكّد الحسني أن التقنية لا تعمل وحدها، بل تتدخل الخوارزميات في تشكيل ما نراه ونعتقده، وهنا يبرز سؤال جوهري: هل نحن من يقود المنصات، أم أنها تُعيد تشكيل وعينا وفق إيقاعها؟
وفي مواجهة هذا التحدي، تأتي التجربة السعودية باعتبارها نموذجًا في إدارة الفضاء الرقمي بوعي وحزم، حيث تتكامل الأنظمة القانونية مع قيم المجتمع، ويغدو الإعلام شريكًا في التنمية، جزءًا من مشروع وطني واسع يتسق ورؤية 2030.
وشهدت الجلسة مداخلات ثرية أضفت على النقاش عمقًا وتنوعًا، إذ قدّم الأستاذة عرضة الدوسي قراءة نقدية في مفهوم الحرية الإعلامية ومسؤولية الكلمة، فيما أشار الدكتور محمد الخازم إلى أهمية تأهيل الجيل الجديد من الإعلاميين على الوعي القانوني والتقني الذي يصون المهنة كما تطرق للذكاء الاصطناعي وما أحدثه من تأثير. أما المحامية سمر الغامدي فتحدثت عن الإطار التشريعي للجرائم المعلوماتية، مبيّنة الفوارق بين حرية التعبير والإساءة الرقمية، في حين تناول الدكتور دحّام العنزي الجانب التربوي والأخلاقي في بناء الثقافة الرقمية، مؤكداً أن الإعلام اليوم لم يعد مجرد وسيلة، بل بيئة تُنشئ الوعي وتُعيد صياغة القيم.
ذلك التفاعل بين الحضور والمشاركين عكس وعيًا متناميًا، ورغبة صادقة في إدراك دور الإعلام الجديد في صناعة الوعي وحماية النسيج الاجتماعي، ضمن مشهدٍ ثقافي يُعيد تعريف المسؤولية المهنية والأخلاقية في زمن الانفتاح الرقمي.
وفي ختام المحاضرة، جاء التذكير بأن التقنية تتبدل، لكن الأخلاق تبقى هي المعيار. وأننا لسنا في معركة مع المنصات، بل في بحث عن الوعي الذي يجعلها امتدادًا لقيمنا وثقافتنا. فالكلمة اليوم ليست لحظة تُقال، بل أثر يبقى، ومسؤولية تُحاسب، وذاكرة لا تنسى، ومن يقف خلف الشاشة هو من يصنع القيمة: بعقله، وضميره، ووعيه الوطني.










































