اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٩ كانون الأول ٢٠٢٥
د. فهد محمد بن جمعة
منذ إطلاق رؤية 2030، يشهد الاقتصاد السعودي تحولاً هيكلياً عميقاً يرتكز على استغلال النفط كثروة استراتيجية بكفاءة عالية، مع بناء مصادر دخل متنوعة تحمي المالية العامة من تقلبات الأسعار، الإيرادات غير النفطية لا تهدف إلى استبدال النفط، بل تكميله وتعظيم قيمته، ما يولد فائضاً مالياً يُستثمر في تعزيز الاحتياطيات، تقليص الدين، وبناء أصول سيادية مستدامة لرفاهية الأجيال المقبلة.
حددت الرؤية هدفاً طموحاً برفع الإيرادات غير النفطية من 163 مليار ريال في 2015 إلى تريليون ريال بحلول 2030، أي زيادة تراكمية تفوق 500 %، تولد هذه الزيادة وفرة مالية تُستثمر بعوائد مجزية، مع الحفاظ على الاستدامة وحماية الميزانية من تقلبات النفط. من المتوقع أن تصل الإيرادات غير النفطية إلى نحو 500 مليار ريال في 2025، تمثل نحو 42 % من الإجمالي، وترتفع تلقائياً عند انخفاض أسعار النفط لتعويض النقص، وتنخفض نسبياً عند ارتفاعها.
أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عقب إقرار ميزانية 2026، استمرار التركيز على تنويع القاعدة الاقتصادية، تحفيز الاستثمار، وتسريع التحول، حقق التحول منذ 2016 نمواً قوياً في الأنشطة غير النفطية مع احتواء التضخم عند مستويات منخفضة عالمياً، وتطوير بيئة الأعمال، تمكين القطاع الخاص، وترسيخ مكانة المملكة مركزاً اقتصادياً عالمياً، تؤكد الميزانية متانة الاقتصاد ومرونته، مع الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الرؤية لمضاعفة التنفيذ وتعظيم الأثر ما بعد 2030.
في ملتقى ميزانية 2026، سألتُ وزير المالية محمد الجدعان: «متى ستعتمد الميزانية بشكل شبه كامل على الإيرادات غير النفطية، هل في 2030؟»، فأجاب: «لا نتمنى أن يأتي هذا اليوم أبداً، لأنه يعني نفاد البترول، الرؤية لم تقل يوماً إننا سنتخلى عن النفط، بل سنستمر في استخدامه لعقود قادمة لبناء اقتصاد قوي يولد إيرادات غير نفطية كافية لتغطية الإنفاق، مع استثمار فائض النفط للأجيال المقبلة»، أكد الجدعان استمرار الإنفاق التوسعي في 2026، مشدداً على أن العجز الاستراتيجي يحقق عوائد تفوق تكلفة الاقتراض، مع نمو سنوي للاقتصاد غير النفطي نحو 5 %.
وفي المناسبة نفسها، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم أن الاقتصاد غير النفطي بات الركيزة الأساسية للاستدامة، محافظاً على النمو حتى في أصعب فترات انخفاض أسعار النفط والتباطؤ العالمي. نما تراكمياً بأكثر من 30 % منذ 2016، وارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 56 % من الناتج المحلي الحقيقي، مع تراجع الاعتماد على النفط من أكثر من 90 % إلى نحو 68 %. حقق 74 نشاطاً من 81 نمواً سنوياً يتجاوز 5 % في السنوات الخمس الماضية، و37 نشاطاً تجاوز 10 %، مع توقعات بنمو غير نفطي بين 4.5 % و6 %، مدعوماً بالذكاء الاصطناعي بقيادة «هيوماين» التي وصفها بـ»أرامكو الجديدة».
رؤية 2030 لا تسعى للتخلص من النفط، بل تحول دون بقائه مصدر الدخل اليومي الوحيد المتقلب، وتحوله إلى أداة تمويل استراتيجية لبناء اقتصاد حديث متنوع، كلما ازدادت قوة الإيرادات غير النفطية، تعززت القدرة على استثمار فوائض النفط بذكاء، محافظة على الثروة النفطية لعقود طويلة، هذا هو جوهر التكامل بين النفط والتنويع، لا التعويض أو الإلغاء.










































