«الإعلام الغربي» صناعة المعركة قبل بدايتها!

محمد الرشيدي

مع انطلاق الهجوم الإسرائيلي على إيران من خلال عملية 'الأسد الصاعد'، ومع بداية متابعتي لتغطية القنوات العربية، تابعت على سبيل المثال أحد محللي قناة العربية يتحدث بصورة تقليدية مكررة عن خطر تلويث المفاعلات الإيرانية لو تم تسرب إشعاعها النووي على مياه الشرب بالخليج، بصورة تحليلية أعادتني لذكرياتنا مع المحللين الذي ابتلينا فيهم إعلامياً أثناء الغزو العراقي على الكويت، والذين أرعبونا بتكرار أن الطيور ستموت والحياة بالخليج ستنتهي بسب الكيماوي العراقي، على النقيض كانت القنوات الغربية تعتمد على قادة عسكريين سابقين في الناتو، وباحثين في شؤون الشرق الأوسط من جامعات مرموقة، بينهم من يتحدث الفارسية والعبرية والعربية بطلاقة، وبدعم مباشر من مراكز أبحاث مرتبطة بالقرار السياسي، فكان التحليل الإعلامي لديهم شبه متكامل مع التوجهات الدبلوماسية والعسكرية للغرب، عكس معظم القنوات العربية، التي اعتمدت على عدد من الوجوه المتكررة، والخطابات الإنشائية.

الإعلام الأمريكي والغربي وباحترافية معتادة سبق الهجوم الإسرائيلي، بطلعات إعلامية دقيقة، وتحليلات عسكرية معمقة، وتسريبات مدروسة، خلقت رأيًا عامًا دوليًا مهيأ لتقبل أي تطور مهما كان عنيفًا، فلم يكن الحدث هو المفاجأة، بل طريقة تغطيته، إذ بدا أن الماكينة الإعلامية الغربية تسبق الهجوم، فشبكات مثل CNN، وFox News، وBBC، وحتى التخصصية منها مثل Foreign Policy وThe Atlantic Council، سخّرت مواردها ومحلليها لتقديم محتوى شديد الاحترافية، يتجاوز اللحظة، ويسبق البيانات الرسمية.

ففي الساعات الأولى من إعلان العملية، بثت CNN تقريرًا حصريًا يحتوي على صور أقمار صناعية لمواقع القصف المحتملة، وقدم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تحليلاً فورياً لتبعات العملية على استقرار المنطقة، بينما كان معهد بروكنجز يقدّم خرائط تفاعلية على الهواء مباشرة، حيث سجلت تغطيات الإعلام الأمريكي للعملية أكثر من 890 مليون انطباع رقمي خلال 72 ساعة فقط، فيما بلغ عدد التحليلات المصورة المتخصصة في قنوات يوتيوب الإخبارية الغربية أكثر من 220 تحليلًا، بينها تقارير تفصيلية باللغة الفارسية والعربية.

هذا التفوق الإعلامي نتيجة تراكم مؤسسي واستثمار إستراتيجي في الإعلام كقوة ناعمة ومهمة، لمدرسة إعلامية تعرف متى وأين تضغط لتصنع الفارق، لتجعلنا هذه الأحداث نكرر التساؤل الدائم، متى ينتقل إعلامنا العربي من النقل إلى صنع الحدث؟ من الضيف التقليدي إلى الخبير الذي يعرف ما يقول وليس فقط من يقول؟