ما إمكانية حدوث تعاون أمني واستخباري بين إيران ودول الخليج؟

يوسف حمود - الخليج أونلاين

إبلاغ دول مطبعة مع 'إسرائيل' بقيام الأخيرة بأعمال تخل بأمن المنطقة.

وفق قوله، من خلال وثائق حصلت عليها مؤسسات إيران الأمنية والاستخبارية.

في سبتمبر 2020, من قبل الإمارات والبحرين.

تشهد منطقة الخليج إعادة ترسيم خريطتها الدبلوماسية مع إيران باستعادة دول خليجية العلاقات معها، بعد نحو سبع سنوات من خفض التمثيل الدبلوماسي، لكن ثمة ما قد يوتر العلاقات بين الحين والآخر؛ بسبب علاقات عواصم خليجية مع 'إسرائيل'، التي تقول طهران: إنها 'عدوتها الأولى إلى جانب أمريكا'.

ومع كشف وزير الخارجية الإيراني عن معلومات لأول مرة حول تسليم وثائق لدول ارتبطت مؤخراً بعلاقات مع 'إسرائيل' حول استغلالها في إخلال الأمن بالمنطقة، بدا أن ثمة تعاوناً استخبارياً ربما توسع مؤخراً بين إيران وتلك الدول، وفي مقدمتها الإمارات والبحرين.

وتفضل 'إسرائيل' التعاون مع الغرب ومع دول الخليج ضد 'إسرائيل'، لكنها تظهر تصميماً أيضاً على العمل بمفردها إذا دعت الحاجة، وهو الأمر الذي ربما ينعكس من تصريحات وزير خارجية إيران، فهل يشهد الشرق الأوسط تعاوناً أمنياً واستخبارياً بين إيران ودول الخليج؟

تعاون استخباري

بعد تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية و'إسرائيل'، لا سيما الإمارات والبحرين، خلال 2020، واتهام إيران جارتها الشمالية أذربيجان بوجود إسرائيلي على الحدود بين البلدين، وتجسسها على طهران، علقت إيران حينها بالقول: 'أبلغنا دول الجوار بوضوح أننا لن نتحمل وجود (إسرائيل) قرب حدودنا، ولن نتسامح في ذلك'.

وبعد مرور نحو ثلاثة أعوام على ذلك الاتفاق، وسط محاولات إسرائيلية لتوسيع دائرة التطبيع مع دول الخليج، كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن قيام 'تل أبيب' بأعمال تخل بأمن المنطقة.

وفي مقابلة مع صحيفة 'الوفاق' الإيرانية قال الوزير الإيراني: 'شهدنا في بعض الدول القليلة المطبعة مع الكيان الصهيوني أن هذا الأخير يتجاهل حكومات هذه الدول'.

وأضاف: 'مؤسساتنا الأمنية والاستخبارية لديها وثائق مؤكدة ودقيقة على أن الكيان الصهيوني يتجاهل حكومات هذه البلدان، ويقوم بدون علمها بأعمال تخل بأمن المنطقة'.

وأشار إلى أن بلاده عبر الأقسام الأمنية 'قامت بإطلاع بعض سلطات هذه البلدان على تلك الوثائق'، لافتاً إلى أنه 'من المُستبعد الاعتقاد بأن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني هو أمر جيد للعالم الإسلامي ودول المنطقة'.

بين التطبيع والتوترات

لسنوات طوال كانت 'إسرائيل' هي العدو الأول للدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، وشهدت فترات الصراع العربي-الإسرائيلي مشاركة الدول الخليجية بوصفها الأطراف التي تدعم مالياً الدول العربية الأخرى.

لكن مع حدوث تغييرات جيوسياسية في المنطقة بدا أن التغيير المطرد في العلاقات سوف يكون السمة البارزة بين دول الخليج العربي و'إسرائيل'، يضاف لها فتح طريق التطبيع مع 'تل أبيب'.

وخلال السنوات الماضية، خصوصاً خلال الأزمة الخليجية الإيرانية التي اندلعت في 2016، رأت دول خليجية في إيران تهديداً وجودياً لها ولأنظمتها الحاكمة، بينما لم ترَ لاحقاً هذا في 'إسرائيل'.

الدول التي طبعت، كالإمارات والبحرين، نالت فائدة استخبارية وتقنية إسرائيلية متطورة، وكذلك محاولة الحصول على أسلحة كانت محظورة، ولا يمكن الحصول عليها من واشنطن.

في المقابل استعانت إيران لتقوية موقفها الإقليمي ببعض الدول الرافضة للتطبيع مع 'إسرائيل' من داخل المنطقة العربية وخارجها، قبل أن تبدأ إعادة علاقتها تدريجياً مع دول الخليج، ابتداءً بالكويت والإمارات، وصولاً إلى السعودية، التي أثرت الخلافات بينهما على المنطقة، وصولاً إلى البحرين، أحد أسباب التوتر السابقة، والتي تعد إحدى الدول المطبعة مع 'إسرائيل'.

ويبدو أن المتغيرات الإقليمية المترتبة لن تتوقف عند حد معين عبر إمكانية عقد تحالفات مستقبلية، وتغيير سياسات دول الخليج، وبما ينسجم مع تلك المتغيرات في المنطقة.

لا إمكانية للتفاهمات الأمنية

يرى الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي أن دول الخليج العربي تنظر إلى استدامة الاستقرار 'كهدف استراتيجي طويل الأمد'، مضيفاً: 'لكن هذا لا يعني أنها ستنتظر حتى تصل المخاطر إلى حدودها'.

وعلى الرغم من توقيع السعودية وإيران اتفاقية برعاية صينية، فإن النعيمي يشير إلى أن المؤشرات تظهر أن إيران 'حيدت جهدها في اليمن، لكنها ركزته في العراق وسوريا، بمعنى أننا ما زلنا نواجه ذات الاستراتيجية الإيرانية السابقة، رغم تبدل كثير من الوجوه في نظام الحكم القائم، وتحديداً في لاءاتها الأربعة'، في إشارة إلى 'النووي والمسيرات والباليستي والأذرع الولائية'.

ويؤكد 'النعيمي' لـ'الخليج أونلاين' أن بوادر حسن النية من خلال المسارات التي فتحت 'ما زالت في مرحلة اختبار النوايا بالنسبة للمملكة، رغم وضوح الرؤية في سوريا، وتداعيات سلوكيات طهران العدائية تجاه اقتلاع الشعب السوري من موطنه'.

ويعتقد أيضاً أنه 'بات لزاماً إعادة تقييم نتائج تلك الاتفاقية، وتقدير موقف حاسم تجاه إيران وأذرعها المنتشرة في المنطقة العربية، وضرورة معالجة بؤر الإرهاب الإيرانية التي باتت تمثل أجساماً سرطانية زرعت في الوطن العربي'.

ويرى أيضاً أن الوضع يحتاج إلى مزيد 'من تقييم الموقف واتخاذ الإجراءات الرادعة لمنع تمدد طهران في المنطقة العربية، لا سيما في العراق، عبر منظومة حكم الإطار التنسيقي وما تبعه من زيادة في التدخلات في الشأن العراقي عبر فرضها أجندتها المبنية على دمج مليشيا هيئة الحشد الشعبي ضمن وزارة الدفاع العراقية، التي تعد من أبرز الأذرع الولائية العابرة للحدود، ويقدر عدد مقاتليها في سوريا بأكثر من 50 ألفاً'.

وحول إمكانية الدخول في اتفاق أمني مع إيران، يستبعد النعيمي ذلك قائلاً: 'سيكون هناك تعاون خليجي وعربي مع المنظومة الدولية لتحقيق أعلى درجات الأمن والسلم للمنطقة، في حين سيقتصر التعاون مع (إسرائيل) على مسألة وحدات الدفاع الجوي لمنع وصول الصواريخ الباليستية تجاه المنطقة كهدف استراتيجي مشترك على الأقل مرحلياً'.

وأضاف: 'ليس من الممكن حصول تعاون أمني واستخباري في ظل تلك الانتهاكات التي ترتكبها طهران ما بعد اتفاقية بكين، والتي لم تنفذ'، لافتاً إلى أن 'إيران لن تتخلى عن دعم حلفائها، وزيادة جهودها في دعم المشاريع الثقافية، التي تعد من أهم وسائل النفوذ الناعمة، وصولاً إلى الوسائل الخشنة المتمثلة بتحريض وتحريك أذرعها تجاه الدول التي تحتضنها، وتحت بند المظلومية تطلب تلك الأجسام تقديم الحماية لها من خلال مشغليها'.

وتابع: 'سيزيد هذا الأمر من تعقيد المشهد، وسيلقي بظلاله السلبية على الدول العربية كافة بنسب متفاوتة، لكن إن لم يواجه فسيكون مصير باقي الدول مصير الدول الأكثر تضرراً، وستبقى أنظمة الحكم فيها معطلة كسوريا والعراق ولبنان واليمن'.

وفي ذات الوقت يرى أيضاً أنه 'لا يمكننا التكهن بماهية التعاون في المرحلة القادمة ما لم يبت في مشروع قوات التحالف الدولي الرامي إلى قطع الطريق الدولي الرابط بين طهران ودمشق عبر بغداد، لذلك من المبكر جداً تبلور رؤية واضحة تجاه هذا التعاون'.

بين إيران و'إسرائيل'

بالنسبة لإيران فإن صداقة الرياض واشنطن أمر معتاد بالنسبة لها، لكن الشراكة مع 'إسرائيل' تعتبرها شيئاً آخر تماماً، إذ لم تظهر 'تل أبيب' أي تردد في استخدام القوة العسكرية لمواجهة الخطط والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

كما تشعر إيران بالقلق إزاء هجوم استباقي من جانب 'إسرائيل' ضد برنامجها النووي أكثر من الولايات المتحدة، وسبق أن هددت بالرد في حال تعرضت لأي هجوم.

أما البحرين فإن لديها مخاوف واسعة تجاه إيران، تشمل -من وجهة نظر المنامة- التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، ودعم أطراف محلية شيعية معارضة بعضها مسلح، إضافة إلى التهديدات الواسعة التي أظهرتها إيران في عموم الخليج.

في المقابل فإن دوافع التطبيع الخليجي مع إيران مركبة؛ وهي تأتي في سياق سعي خليجي عام لتصفير المشكلات في المنطقة، وصولاً إلى اتفاق السعودية التاريخي لإعادة العلاقات مع إيران بوساطة صينية (مارس 2023)، وتلميحها لإمكانية تغيير سياستها تجاه نظام الأسد.

وأمام هذه التطورات في علاقات إيران مع دول الخليج، والتصريحات الحديثة لوزير الخارجية الإيراني، ربما يمكن الحديث عن إعادة آليات للتعامل مع التهديدات الأمنية الإقليمية؛ حيث سيظل ضمن تعريف هذه التهديدات من وجهة نظر دول الخليج مسائل مثل البرنامج النووي الإيراني، ودعم إيران لكيانات مسلحة يمكنها تهديد أمن دول الخليج، مقابل مخاوف إيرانية من استغلال 'إسرائيل' للدول الخليجية المطبعة للإضرار بأمن إيران القومي.