اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين
شكلت بؤر المهاجرين الأفارقة على الحدود بين اليمن والسعودية ظاهرة مُقلقة وسط مخاوف من توظيفهم في عمليات إيذائية تستهدف المملكة.
في الآونة الأخيرة، شهد اليمن حالة من الجدل حول تمركز آلاف المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين على الحدود مع المملكة العربية السعودية، عزّز ذلك صور ومشاهد جرى تداولها، تُظهر بؤراً مستحدثة في منطقة منبّه الحدودية.
وانقسم اليمنيون بين محذّر من خطورة انتشار مجاميع الأفارقة، واتخاذهم تلك المناطق مواقع تمركز على الحدود مع المملكة، وآخرين حذّروا من مخاطر تضخيم هذه القضية في هذا التوقيت، لا سيما أن تدفّق الأفارقة باتجاه السعودية أمر مستمر منذ سنوات، وليس بجديد.
من جانبها تتهم السلطات اليمنية الشرعية جماعة الحوثي باستغلال المهاجرين الأفارقة لإغراق السعودية ودول الخليج بالمخدرات، في حين تلتزم الجماعة الصمت إزاء ما يحدث على الحدود.
حشود كبيرة
الفيديوهات والصور المتداولة تُظهر مجاميع بالآلاف من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين ينتشرون في مناطق حدودية عدة في صعدة، وتحديداً في منطقة الرقو التابعة لمديرية منبّه، وكذلك منطقة آل ثابت التابعة لمديرية قطابر بمحافظة صعدة.
هذه المناطق ينشط فيها مهربو البشر بكثافة، ممن يقومون بتهريب اليمنيين والأفارقة على حد سواء إلى داخل الأراضي السعودية، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 1000 إلى 1500 ريال سعودي، بعد نقلهم وإدخالهم إلى محافظة صعدة.
وتضم حشود المهاجرين غير الشرعيين على الحدود بين السعودية واليمن نساءً وأطفالاً، قدموا من إثيوبيا والصومال وإريتريا عبر البحر، علماً بأن منظمة الهجرة الدولية رصدت دخول 17 ألفاً و685 مهاجراً أفريقياً إلى اليمن خلال شهر أكتوبر الماضي فقط.
وأشارت التقارير إلى أن تلك المجاميع بدأت بتنظيم نفسها، كما أن العديد منهم باتوا يملكون أسلحة، ويحاولون ابتزاز العابرين إلى الأراضي السعودية في الطرقات والمنافذ، في حين شكا العديد من المسافرين من تعرّضهم للابتزاز والتهديد على يد مهاجرين غير شرعيين.
وبالرغم من الجدل الحالي حول طبيعة تلك الحشود، وما إذا كانت تشكل خطراً، فإن مصدرين محليين بمحافظة صعدة أكّدا أن الظاهرة ليست جديدة، وأن هناك تضخيماً إعلامياً وتوظيف مقاطع وصور قديمة أو من خارج اليمن لإظهار ما يحدث وكأنه حالة غير طبيعية.
وقال مصدر محلي طلب من 'الخليج أونلاين' عدم الكشف عن هويته، إن هناك مبالغة بشكل كبير فيما جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً عدم وجود تشكيلات مسلحة، 'باستثناء مسلحين أفراد لديهم سلاح في منطقة ينتشر فيها السلاح بكثافة'.
ويلفت إلى أن هناك الآلاف من 'الأحبوش' (الأفارقة) يتوافدون سنوياً على المنطقة، ما يتسبب بمشاكل من فترة لأخرى بينهم وبين يمنيين، ومؤخراً تزايدت الضغوط على التهريب، ما دفع الآلاف منهم للتمركز في المنطقة، ولجوء بعضهم لابتزاز المسافرين بهدف الحصول على المال.
من المستفيد؟
تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود بين اليمن والسعودية ينعكس سلباً على أمن الحدود، ويضع الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت جماعة الحوثي، المسيطرة على المنطقة، تتعمد السماح بانتشارهم بهذه الكثافة.
وبالرغم من حديث الجماعة من وقت لآخر عن تحرك لطرد وترحيل المهاجرين الأفارقة في صعدة، فإن تمركز هذه المجاميع في منبّه وقطابر يثير تكهّنات حول أهداف الجماعة.
وقلّل مصدر محلي بمحافظة صعدة في حديثه لـ'الخليج أونلاين' من خطر هذه المجاميع على السعودية، مؤكداً أن جماعة الحوثي تحاول منذ سنوات استمالة المهاجرين الأفارقة وكسب ولائهم لاستخدامهم في حروب الجماعة الداخلية.
وقال المصدر: 'منذ سنوات والحوثيون يحاولون التأثير على الأفارقة غير الشرعيين في صعدة وغيرها، وكسب ولائهم، وهناك منهم من أصبح يعمل مع الجماعة ويحضر مناسباتهم'.
من جانبه أشار مصدر آخر مطلع لـ'الخليج أونلاين' إلى أن جماعة الحوثي تستفيد مالياً من خلال تنظيم عملية التسلل إلى الأراضي السعودية عبر مهربين ينتمون للجماعة، مقابل مبالغ مالية تبلغ أحياناً ألفي ريال سعودي.
وقال إن المهربين، وهم غالباً من أبناء صعدة المنتمين للجماعة، يعملون على نقل الأفارقة إلى الحدود، وتسهيل مرورهم إلى داخل الأراضي السعودية، إلا أنه لم يُرجّح أن يكون هناك هدف سياسي أو أمني لدى الجماعة في تعاملها مع هذا الملف.
أما محافظ صعدة المحسوب على الحكومة اليمنية هادي طرشان الوائلي، فقال في حديث لتلفزيون 'سهيل'، إنه لا أحد يدخل صعدة إلا بموافقة جماعة الحوثي، متهماً الجماعة بتسهيل عبور عشرات الآلاف من الأفارقة إلى الحدود مع السعودية.
وحذر الوائلي، وهو من أبناء صعدة، من خطورة الوضع، لافتاً إلى أن الهدف من وراء هذه الظاهرة هو تشكيل بؤر على الحدود بين اليمن والسعودية للتهريب، وإغراق المملكة ودول الخليج بالمخدرات.
خطر على الحدود
الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني عادل الشجاع قال إن الوجود المتزايد للأفارقة في بعض المناطق الحدودية مع السعودية: 'ليس مجرد حركة لجوء عابرة أو موجة نزوح عادية، بل تأتي ضمن مخطط يتقاطع فيه الدور الحوثي مع أجندات خارجية تسعى إلى تفجير خاصرة المملكة بخلق بؤرة إرهابية جديدة'.
وأشار الشجاع في مقال على حسابه بمنصة 'فيسبوك' إلى أن الهدف من تلك التحركات هو 'فتح جبهة جديدة تستنزف الجهد العسكري والأمني السعودي، وتشوش على برامج التنمية والمشاريع الوطنية الكبرى'.
أما رئيس منظمة 'سام' للحقوق والحريات توفيق الحميدي فيرى أن ما يجري في الحدود ليس حدثاً جديداً أو مفاجئاً، لافتاً إلى أن تدفق المهاجرين مستمر، وزاد بوتيرة عالية في ظل الحرب.
وأضاف الحميدي، في تصريحات لـ'الخليج أونلاين'، أن اليمن ربما يشكل الممر الأكثر تفضيلاً للهجرة من القرن الأفريقي إلى السعودية، مشيراً إلى أن عدد من المنظمات الحقوقية ومنها 'سام'، رصدت هذه الهجرة وما يتعرض له المهاجرين من انتهاكات سواء في المخيمات أو من تجار البشر.
واستطرد قائلاً: 'الجديد هو حجم الحشود وطبيعة المنطقة التي تجمعوا فيها، إذ تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، ما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاك، خاصة بعد التهديدات التي أطلقتها جماعة الحوثي ضد السعودية، ومن ثم تصبح ورقة مهم للمقايضة بين الطرفين'.
ونوّه بأن هؤلاء المهاجرين غالباً عالقين بين سلطات أمر واقع تستغلهم من جهة، وقوات حدودية تستخدم العنف المفرط من جهة أخرى، في مشهد يختصر قسوة الحرب اليمنية وانهيار منظومة الحماية الإنسانية.
مخاطر جسيمة
ويلفت الحميدي إلى ما وثقته منظمات دولية من انتهاكات ومخاطر جسيمة يتعرض لها المهاجرون على الحدود، مبيناً أن هناك عمليات إطلاق نار واستهدافاً جماعياً ضد مهاجرين عُزل على الشريط الحدودي، إضافة إلى مخاطر الاحتجاز القسري أو التجنيد داخل مناطق سيطرة الحوثيين.
كما تحدث عن شهادات تؤكد 'استغلال بعض المهاجرين في أعمال خدمية أو عسكرية'، إلى جانب انتشار شبكات تهريب واتجار بالبشر التي تمارس الابتزاز والتعذيب، مستفيدة من ضعف الدولة وتفكك الأجهزة الأمنية والقضائية، إضافة للاستغلال الجنسي، والاستغلال المتعلق بالعمالة، والحرمان من الحق في الطعام والدواء، والحماية القانونية.
ويبيّن أن منظمة 'سام' رصدت حالات لمهاجرين جرى احتجازهم وتعذيبهم وإجبار أهاليهم على دفع جزيه، في تقرير 'رأس العارة طريق المهاجرين الي الجحيم'، وأخرى دفع فيها المهاجرون قسراً نحو الحدود رغم علم السلطات بخطورة الوضع هناك.
ويوضح أن هناك شهادات أيضاً تؤكد استخدام بعضهم في مهام خدمية أو دعائية لصالح جماعة الحوثي، مؤكداً أن هذه الأفعال تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، خصوصاً اتفاقية حظر العمل القسري، وقد تفتح الباب للمساءلة الجنائية مستقبلاً.
وأشار الحميدي، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، إلى ضرورة 'وضع خطة إنسانية عاجلة تتجاوز تبادل الاتهامات، تشترك فيها جميع الدول المتضررة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، ويسمح للمنظمات الدولية والمحلية المستقلة بالوصول الميداني لتقديم الحماية والإغاثة'.
وطالب بالتحقيق في وقائع الاستهداف للمهاجرين، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف الأمم المتحدة لتسهيل العودة الطوعية أو إعادة التوطين، بما يضمن كرامة هؤلاء المهاجرين وحقهم في الحياة والأمان.
وانتقد الحميدي صمت المجتمع الدولي، 'الذي انعكس سلباً على وضع المهاجرين، رغم أن الانتهاكات موثقة ومتكررة'، مشدداً على ضرورة وجود تحرك فعلي لضمان حمايتهم، والضغط على الأطراف المعنية للالتزام بالقانون الدولي، وتعزيز حضور منظمة الهجرة والمفوضية السامية للاجئين في شمال اليمن.










































