اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
نفى وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، وجود صراع بين الفكر الحداثي والمحافظ حول تعديل مدونة الأسرة، مؤكدا أنه لا يسعى لخلق الفتنة في المجتمع وأن مدونة الأسرة ستمثل جميع أطياف المجتمع المغربي ولن تخضع للإملاءات الخارجية.
وقال وهبي: 'ليس هناك صراع حداثي ومحافظ في موضوع المدونة، بل هناك نقاش طبيعي جدًا، ولكن بكثير من الاحترام والإيجابية، والمشرع ليس من يقرر حدود قضايا المدونة بل هو موضوع نقاش مجتمعي، فمثلا لم يتم مناقشة المساواة في الإرث. ولكن هناك أشياء خارج الدين لنا الحق المطلق في التعامل معها. أما الأمور التي تتعلق بالدين، فنبقى في حدود الدين، ولا نحل حرامًا ولا نحرم حلالاً'.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الوزير في الندوة الدولية المنظمة بالرباط حول موضوع: “نظام الكد والسعاية: مقاربات قانونية وتاريخية وتجارب مقارنة من العالم العربي”، والتي حضرها عدد من الشخصيات الوطنية والدولية، من ضمنهم الرئيس الأول لمحكمة النقض، والوكيل العام للملك لديها، وممثل جامعة الأزهر الشريف، ووزيرة العدل بجمهورية كابو فيردي، إلى جانب سفراء وممثلين عن بعثات دبلوماسية، وخبراء وقضاة وأكاديميين من عدة دول عربية.
وشدد المسؤول الحكومي على أن 'مدونة الأسرة هي موضوع نقاش وليس خلاف، مضيفا: 'المدونة موضوع نقاش بين فكرتين حداثية ومحافظة، لا يختلفان حول البحث عن المصلحة، ولكن مفهوم المصلحة يختلف من جهة إلى أخرى، وكل طرف يرى المصلحة من موقعه، فهناك من يرى المصلحة في التشبث بجميع الأمور الموجودة سابقًا، وهناك أشخاص آخرون يعتبرون أن المصلحة هي في تغيير كل شيء وهذا مستحيل، والوزير يقف بين المطرقة والسندان وعليه أن يصل إلى حل وسط'.
وأقر المتحدث ذاته بأن 'الأمور الدينية في المغرب كثيرة الحساسية، على اعتبار أن المجال الديني من اختصاص الملك وأن المجلس العلمي الأعلى لا يصدر أي فتوة إلا بطلب من أمير المؤمنين، معتبرا أن هذه ميزة بالمغرب لأن ذلك يحافظ على وحدة الأمة ووحدة الدين ووحدة النظام'، وفق تعبيره، مؤكدا أن المجلس العلمي الأعلى يضم مستوى عال من الثقافة الإسلامية والدينية بفكر منفتح وليس متزمت، وفق تعبيره، كما أن 'المجلس يضم، وفق تعبيره، علماء غير متشبثين بتلك التصورات التقليدانية، بل يفتحون الحوار ويتناولون الحديث ويحاولون إيجاد حلول للمجتمع، ويحاولون أن يؤسسوا على مبدأ المصلحة العامة وشرع الله'.
التعصيب والكد والسعاية والحضانة
شدد عبد اللطيف وهبي على ضرورة إنصاف المرأة في جميع مناحي الحياة، وقال بهذا الخصوص: ' طرحت قضية الكد والسعاية وتثمين عمل المرأة والبعض يقول إن هذا الزواج يقوم على المودة والرحمة غير أن هذه المودة يجب أن يتم تكريسها من خلال منح النساء حقهن، كما أن مفهوم الرجال قوامون على النساء لا يعني أن تمس بحق الغير، بل قوامون على النساء حتى في العدل والإنصاف ليس فقط في الأموال'.
وأضاف: 'الكلمة التي ألقيتها آنذاك في اللقاء الذي كان في الأكاديمية ليست موقفًا شخصيًا، بل موقفًا رسميًا، وبخصوص العصبة ففقهاؤنا اجتهدوا ووصلوا إلى حل وقالوا بالوصية بالحيازة الحكمية لأن الفعلية غير ممكنة، كما طُرحت قضية المرأة التي يموت زوجها وتبقى في البيت ونحن نعلم أن المرأة التي تبقى في البيت بعد وفاة زوجها، تبقى تحصينًا لكرامتها واحترامًا لها فلا يمكن للولد أو العصبة أن يقوموا ببيع بيتها وإخراجها إلى الشارع، خاصة إذا كانت الشقة صغيرة وأن قيمة ما سيأتيها في الإرث لن يمكنها من شراء عقار آخر. فكان النقاش كيف يمكن إيجاد حل. جاء فقهاؤنا وأعطونا الحل الديني، وأصبح هناك 'حق العمرة'.
وبخصوص زواج المطلقة الحضانة، تساءل وهبي مستنكرا: 'ما هو المانع القانوني في زواج المطلقة الحاضنة وسفرها مع أبنائها؟، فبأي حق وبناءً على أي سبب يمنع على المرأة أن تتزوج لأنها حاضنة، وإذا تزوجت سقطت حضانتها فضلا عن عدم منح الوسائل القانونية في يد المرأة الحاضنة بالنسبة لأبنائها المحضونين، مثل جواز السفر،والنقل إلى المدرسة. فلماذا نمنع المرأة وهي الحاضنة التي تعمل 20 أو 24 ساعة وتهتم بطفلها، وعندما تأتي الإجراءات القانونية تمنع من اتباعها'.
وشدد وهبي على أن مدونة الأسرة ستمثل المجتمع المغربي بالقول: 'ما سيأتيكم في مدونة الأسرة هو انعكاس لمجتمعكم. فالتشريع في المغرب لا يصنعه وزير العدل ولا البرلمان، بل مجتمعكم، سواء كان محافظًا أو منفتحًا، هو الذي سيعطيكم الحل. ولدينا من الإمكانيات والوسائل ما يمكننا من الوصول إلى ذلك. وإذا تقدمنا بخطوة اليوم، فعلى أبنائنا أن يتقدموا بخطوة أخرى غدًا. ولكننا غير مستعدين لخلق فتنة لأن لنا آراءنا الخاصة. فالدولة دولة، والاستقرار استقرار، والدين دين، والأفكار أفكار'.
وأضاف: 'نريد أن نحرر المرأة ونكرمها، لأن المرأة المغربية تستحق هذا الإنصاف. فأجمل ما نملك في حياتنا هي المرأة. لذلك، من الطبيعي جدًا أن ندافع عن وجهة نظرنا. ولكن على السياسي أن يفهم أن دفاعه عن أفكاره لا تكون له قيمة ونجاح إلا إذا وصل إلى التوافق بها مع الآخرين. فزمن الديكتاتوريات قد انتهى'.
وزاد: 'في بعض الأحيان، يتعب مساعدي، فلا ننام الليل من كثرة الأسئلة. وفي مرحلة من المراحل، شعرت أنهم ضجروا لأنهم يكررون نفس النقاشات. فأقول لهم سننتج قرارات قانونية لصالح المرأة والأسرة المغربية للخمسين سنة المقبلة وعليكم أن تتحملوا وتقبلوا فهذه مسؤوليتنا'.
وبخصوص مدى التزام المغرب بالاتفاقيات الدولية، قال وهبي: 'ناقشنا في لشبونة بالبرتغال مع المجلس الأوروبي رؤيتان للأسرة، رؤيتنا نحن المرتبطة بتاريخنا وإسلامنا وثقافتنا، وهناك تصور لأوروبا. نحن نحترم تصورهم، ولا يهمنا أن نتدخل فيه. وطلبت من المجلس الأوروبي ألا يتدخل في طبيعة تصورنا لقضية الأسرة. نحن لن ننطرح أمامهم وننهزم لأن لنا تصورنا الخاص بعيدا عن الاتفاقيات الموقعة'.
واستطرد: أنا أول مدافع عن الأسرة، ولكن عن الأسرة التي تضمن الكرامة والمساواة والحرية والاحترام الواجب للمرأة وحقها في الحياة والعاطفة والاقتصاد، والتحدي الكبير الذي يواجهنا هو أن نأتي بقانون يستفيد منه الجميع، فلا نقول إن هناك نقاشًا، أو نأتي بأشياء تستفز المجتمع وتسبب لنا مشاكل لا تطاق لذلك علينا أن نكون في الوسط. ومن أكبر المصائب عند الفكر العربي، هو الوسط، فنحن نريد الدين الوسط، والسياسة الوسط، والاقتصاد الوسط، ثم نريد مدونة للأسرة بالوسط.