اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
أكد أحمد بوز أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، كلية الحقوق السويسي، أنه 'بالرغم مما يتضمنه مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة من تعديلات تنظيمية وتحسينات إجرائية على مستوى الهيكلة والتدبير، إلا أن جوهر الإشكال ما يزال قائما، إذ لم يلامس المشروع الأسئلة البنيوية العميقة المرتبطة بطبيعة النظام الإعلامي وأفق إصلاحه الديمقراطي'.
عاد الجدل المهني والقانوني ليطفو مجددًا في أوساط الصحافيين والناشرين بالمغرب، على خلفية عرض مشروع قانون جديد يحمل رقم 26.25، يرمي إلى إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، في محاولة لإنهاء حالة الجمود المؤسساتي التي تعرفها هذه الهيئة منذ انتهاء ولايتها القانونية دون تجديد هياكلها.
وأوضح بوز ضمن قراءة نقدية لمشروع القانون خص بها جريدة 'العمق المغربي'، أن المسألة تتجاوز مجرد إعادة ترتيب المؤسسة، إلى ضرورة مساءلة أسس العلاقة بين الدولة والإعلام، وعلى رأسها: كيف يمكن ضمان استقلال فعلي للمجلس عن الجهاز الحكومي؟ وكيف يمكن ضبط التوازن بين التدخل المشروع لضمان تنظيم القطاع، والتدخل غير المشروع الذي يفضي إلى التحكم في الحقل الإعلامي؟
وأُحدث المجلس الوطني للصحافة سنة 2016 كإطار للتنظيم الذاتي للمهنة، غير أن خلافات داخلية حادة بين مكوناته حالت دون تجديد مؤسساته، ما دفع الحكومة إلى التدخل سنة 2023 بتشكيل لجنة مؤقتة لتسيير شؤونه، وهو ما أثار حينها جدلاً واسعاً حول مدى احترام مبدأ الاستقلالية المنصوص عليه دستورياً في الفصل 28.
ويأتي المشروع الجديد ليعزز هذا التدخل عبر تقنين اللجنة المؤقتة وإحداث آلية مؤقتة في حالة 'العجز المؤسسي'، كما يقترح إعادة هيكلة المجلس، وتقليص عدد أعضائه من 21 إلى 19، وتنظيم شروط الترشح والانتخاب، وتوسيع صلاحيات الهيئة في ضبط السجلات المهنية وإبداء الرأي في مشاريع القوانين.
لكن هذه المستجدات لم تخلُ من اعتراضات قوية، أبرزها من طرف الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، التي اعتبرت أن المشروع 'يقبر التنظيم الذاتي' ويتنافى مع الفصل 28 من الدستور، منتقدة ما وصفته بـ'تحالف هيمني' يسعى إلى فرض منطق الضبط الإداري بدل التنظيم المهني المستقل.
ومن أبرز النقاط المثيرة للنقاش، ما يتعلق بنظام العقوبات التأديبية، الذي تم توسيعه ليشمل عقوبات مثل توقيف النشر والسحب المؤقت لبطاقة الصحافة، وسط تخوفات من المساس بحرية التعبير ومن تضارب الأدوار داخل المجلس بين الوظيفة التأطيرية والرقابية.
كما يثير المشروع تساؤلات حول التمثيلية داخل المجلس، خاصة بعد إلغاء تمثيلية بعض الهيئات المجتمعية، وربط تمثيلية الناشرين بمعايير مالية واقتصادية قد تقصي المؤسسات الإعلامية الصغرى، ما يُنذر، وفق بعض الفاعلين، بإعادة إنتاج اختلالات التجربة السابقة.
ويرى الأستاذ الجامعي في مقالته الأكاديمية الموسومة بـ' بين تقنين المهنة وتحديات التعددية: قراءة نقدية في مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة'، أن مفهوم 'الاستقلالية'، كما ورد في المشروع، لا يزال بحاجة إلى تدقيق قانوني صريح، يميز بوضوح بين وظيفة التأطير العمومي للإعلام باعتباره مرفقا عاما من جهة، وضمان حريته وحقه في النقد والمساءلة من جهة أخرى. ذلك أن الغموض في هذا المجال قد يفتح الباب أمام أشكال من الهيمنة الناعمة أو التوجيه غير المعلن، خاصة في ظل غياب ضمانات كافية لتحصين المجلس من التسييس أو من تدخلات قد تفرغ مبدأ التنظيم الذاتي من مضمونه.
وبالإضافة إلى ذلك، سجل بوز أن وظيفة المجلس الوطني للصحافة غير محسومة بشكل واضح: هل هو هيئة مهنية مستقلة تُعنى فقط بأخلاقيات المهنة؟ أم هيئة شبه تنظيمية تمارس أدوارا رقابية وتأديبية في الوقت نفسه؟ إن غياب الحسم في هذا التصور يخلق التباسا قد يؤدي إلى تداخل في الاختصاصات، وتنازع في الأدوار، خصوصا في ظل استمرار تدخل السلطة الإدارية والسياسية في بنية التمثيلية المهنية.
واعتبر أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن 'الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يكون مجتزأ أو محدودا بمؤسسة واحدة، بل يتطلب مراجعة شاملة للمنظومة القانونية والتنظيمية التي تؤطر الحقل الإعلامي، بدءا من قانون الصحافة والنشر، مرورا بالقانون المنظم لصفة الصحافي المهني، والنظام الجبائي للمقاولات الإعلامية، وصولا إلى ضمان الحق في الحصول على المعلومات'، مشددا على أنه بدون هذه المراجعة الشاملة، 'ستظل محاولات الإصلاح محكومة بسقف محدود، غير قادر على إحداث التغيير المطلوب'.
ولفت بوز إلى أنه إذا كانت هناك إشارات في مشروع القانون تعكس رغبة في إعادة ضبط الإطار المؤسساتي للمجلس الوطني للصحافة، فإن ذلك يظل غير كافٍ ما لم يُواكب بإرادة سياسية واضحة تؤمن باستقلالية الصحافة كرافعة ديمقراطية، مسجلا في المقابل أن 'المشكل لا يكمن فقط في النصوص القانونية، بل في المناخ العام الذي ينتج هذه النصوص، وفي طبيعة تصور الدولة لوظيفة الإعلام، ومدى استعداد الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين لتقبل وجود صحافة مستقلة تمارس دورها الطبيعي في الرقابة والمساءلة'.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط، نبه إلى أن مقاربة الدولة للإعلام، 'ما تزال محكومة بمنطق الحذر المفرط، الذي يُبقي على الصحافة كقطاع حساس، يتطلب المراقبة والتأطير أكثر مما يستوجب الحرية والدعمّ، موضحا أن ذلك يتجلى في استمرار آليات التدخل غير المباشر، سواء عبر تشكيل المجالس المهنية، أو من خلال اعتماد صيغ تعيين تضعف التمثيلية الفعلية، وتحد من فعالية التنظيم الذاتي بفعل الامتدادات الإدارية والتقنية للسلطة.
ولكي يشكل هذا المشروع لحظة تأسيسية حقيقية، دعا بوز إلى القطع مع منطق 'الترقيع'، والانتقال إلى إصلاح شامل يستند إلى إعادة بناء العلاقة بين الدولة والإعلام على أساس الشراكة، بدل منطق الوصاية، وتعزيز الطابع المهني والتعددي للمجلس الوطني للصحافة، مع ضمان تمثيلية متوازنة ومنصفة لمختلف مكونات الجسم الإعلامي.
واقترح أستاذ القانون الدستوري ربط آليات التأديب بضمانات قانونية ومهنية وقضائية صلبة، تصون الحقوق وتُحصن الحرية، مع منح المجلس صلاحيات تتعلق بالدعم والتكوين والتأطير، لا أن يظل مجرد أداة للزجر والانضباط، داعيا في السياق ذاته، إلى تحصين مبدأ التنظيم الذاتي من أي تأويل سياسي أو إداري يُفرغه من معناه الديمقراطي.
وخلص أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، كلية الحقوق السويسي، إلى أنه لا يمكن بناء إعلام مستقل ومهني بمجرد تحسين النصوص القانونية، بل يتطلب الأمر تحولا في الثقافة السياسية، وفي الرؤية الاستراتيجية لدور الإعلام داخل المجتمع. فالسؤال الحقيقي الذي يجب طرحه اليوم هو: هل تعتبر الدولة المغربية الصحافة شريكا ديمقراطيا فاعلا، أم مجرد جهاز ينبغي ضبطه والتحكم فيه؟