اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، أن القراءة السليمة لغاية المشرع من القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وتسليط الضوء على أنجع السبل للموازنة بين سلامة تطبيقه والحفاظ على مصالح الأطراف المعنيين، تشكل المدخل الأساس لتنزيل هذا القانون، لا سيما في ضوء العدالة الصديقة للأطفال.
وأشار بلاوي إلى أن النص القانوني الجديد يمنح للقضاء صلاحية واسعة لاستبدال العقوبات الحبسية النافذة بتدابير بديلة، تشمل العمل لفائدة المنفعة العامة، أو الخضوع لتدابير رقابية خاصة، في أفق ضمان استمرارية اندماج الطفل في محيطه الاجتماعي والأسري، مؤكدا أن النيابة العامة تضطلع بدور محوري في هذا الإطار، سواء من خلال اقتراح هذه البدائل أو المساهمة في تنفيذها، بالتنسيق مع الجهات القضائية والإدارية المختصة.
وشدد بلاوي، في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للقاء الوطني المنعقد يومي 21 و22 يوليوز 2025 بقصر المؤتمرات بالصخيرات، تحت شعار 'تنزيل العقوبات البديلة في ضوء العدالة الصديقة للأطفال'، على ضرورة مواكبة المرحلة السابقة لدخول القانون حيز التنفيذ بنقاش علمي ومؤسساتي، من أجل استيعاب مضامينه واستشراف التحديات المرتبطة بتطبيقه.
وأبرز هشام بلاوي أن تنزيل هذا القانون الجديد ينبغي أن يتم في إطار رؤية متكاملة تنطلق من قناعة جماعية بضرورة حماية الأطفال، والتعامل معهم كطاقة بشرية تحتاج إلى التوجيه والدعم بدل العقاب، منوها في هذا السياق بانخراط المغرب في المنظومة الدولية لحماية حقوق الطفل، عبر المصادقة على اتفاقيات دولية وسن قوانين وطنية تتماشى مع هذه الالتزامات.
وأوضح رئيس النيابة العامة أن معالجة قضايا الأطفال في تماس مع القانون ينبغي أن تنطلق من رؤية تراعي مصلحتهم الفضلى، مستعرضا في هذا الإطار مضامين التعليق العام رقم 10 الصادر عن لجنة حقوق الطفل، الذي دعا إلى اعتماد تدابير غير احتجازية كخيار أولي في تعامل العدالة مع الأطفال، واعتبارها أداة لتحقيق عدالة إصلاحية وتحويلية، مذكرا بقواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) التي شددت على أن الاحتجاز لا يُستخدم إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة ممكنة.
وفي السياق ذاته، أبرز بلاوي أن الفلسفة المؤطرة لعدالة الأطفال تستدعي اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون – سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة – فئة تحتاج إلى الحماية والدعم، وليس إلى الزجر والعقاب، داعيا إلى العمل على إبقاء الأطفال في وسطهم الأسري والبيئي الطبيعي، مع الحرص على تجنيبهم ما أمكن عقوبة الإيداع داخل المؤسسات السجنية، لما يترتب عنها من آثار نفسية وسلوكية سلبية.
وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن هذا التوجه لا يهدف فقط إلى تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، بل يشكل أيضا مقاربة إنسانية إصلاحية تهدف إلى تقويم سلوك الطفل وفتح آفاق اندماجه في المجتمع، وهو ما يجعل من العقوبات البديلة خيارا حضاريا يعكس مدى نضج المجتمع وحرصه على مصلحة أطفاله.
وأضاف أن هذا اللقاء الوطني يشكل محطة مهمة لتدارس كيفية تفعيل القانون الجديد انسجامًا مع مبادئ العدالة الصديقة للأطفال، داعيا مختلف المتدخلين من قضاة وأطر حكومية ومجتمع مدني إلى تقاسم التجارب والممارسات الفضلى، وتعميمها بما ينسجم مع المعايير الدولية ذات الصلة.
كما أكد رئيس النيابة العامة أن مسؤولية جميع المتدخلين تقتضي تبني مقاربة ترتكز على المسؤولية الجماعية في تقويم سلوك الأطفال في تماس مع القانون، من خلال ضمان بيئة قانونية وإنسانية تتيح لهم فرص الإصلاح وتمنع عنهم مخاطر الانحراف المؤسسي.
وفي ختام كلمته، شدد هشام بلاوي على أهمية اللقاء كفرصة لتفكيك المقتضيات الجديدة التي جاء بها القانون رقم 43.22، وفهم مراميها وآليات تطبيقها، مؤكدا أن توصيات هذا اللقاء من شأنها أن تشكل رافعة جديدة نحو ترسيخ عدالة صديقة للأطفال، تحقق الموازنة بين حماية المجتمع وحقوق الطفل، وتنسجم مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى بناء مغرب يحتضن طاقاته الشابة ويصون كرامتها.