اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
تُبذل محاولات حثيثة لإعادة الدولة إلى العاصمة الخرطوم بعد أكثر من عامين للحرب ، حيث الحاجة إلى الصحافة الورقية أصبحت من الضرورات لاستكمال مظهر الحياة المدنية والسياسية، ذلك المسعي لا يقل عن الجهد الأمني والإداري. فالصحافة الورقية كما هو معلوم في تجارب الدول، ليست فقط وسيلة للأعلام الخبري ، بل إحدى علامات وجود الدولة في ذاتها، وأداة من أدوات تمكين الوعي وتثبيت الاستقرار.
اليوم ومع تشكيل 'اللجنة القومية العليا لتهيئة ولاية الخرطوم' برئاسة الفريق إبراهيم جابر، والمُخوّلة بصلاحيات واسعة تشمل تفريغ العاصمة من المظاهر العسكرية، وترتيب أوضاعها الأمنية والخدمية، تلوح فرصة حقيقية لاستعادة الحياة المدنية. لكن هذا المشروع بكل ما فيه من طموح وجهد مبذول، لن يكتمل دون استعادة واحدة من أبرز أدوات الوعي والتنوير: الصحافة الورقية.
قبل الحرب كانت الخرطوم تصدر يوميًا ما لا يقل عن 18 صحيفة تغطي المشهد السياسي والاجتماعي والرياضي، في دلالة واضحة على حيوية الحياة العامة وتعدد الأصوات ومنابر الرأي. بعد اندلاع الحرب انهار هذا القطاع بالكامل: توقفت الطباعة، غابت الإعلانات، تبخرت الاشتراكات، وتلاشت قدرة المؤسسات الصحفية على تغطية حتى أبسط نفقاتها. حيث تأثر القطاع كغيره من القطاعات بتدمير البنية التحتية، جراء اعتداءات مليشيا الدعم السريع المخزية.
ومع ذلك فإن الفعل لا يجب أن يُترك للدولة وحدها، بل جميعنا يجب أن نتقدم ، الكرة في ملعب الناشرين والصحفيين، فهم معنيون في المقام الأول بتحمّل مسؤوليتهم الوطنية في هذا المنعطف التاريخي. إعادة طباعة الصحف، ولو بإمكانات محدودة، تمثل خطوة جريئة في اتجاه بعث الثقة بوجود الدولة، وتوثيق لحظة التحول الحقيقي في السودان.
لذلك يظل التحدي من سيسبق غيره إلى استئناف إصدار أول صحيفة ورقية في الخرطوم بعد الحرب، الذي يتقدم المبادرة سيكون قد خطّ سطرًا جديدًا في سجل تاريخه المهني و التاريخ الوطني .
أما القول الذي يتداوله البعض بأن 'العالم كله تحوّل إلى الصحافة الإلكترونية'، فهو طرح غير واقعي في السياق السوداني الراهن. فالعالم المتقدم الذي انتقل إلى النشر الرقمي يمتلك بنية تحتية مالية متينة، وثقافة دفع مقابل المحتوى، وشبكات إعلانية فعالة. أما في السودان، فلا نظام اشتراكات، ولا إعلان، ولا آليات دفع رقمي جماعي. التحوّل الرقمي ليس نقلة هكذا مرتجلة أو مجانية، بل مشروع مؤسسات ضخم لم يبدأ بعد.
تشير التجربة اللبنانية إلى أن عودة الصحافة الورقية بعد الحرب الأهلية '1975–1990' شكّلت رمزًا واضحًا لاستعادة الدولة اللبنانية للمجال العام ومؤسساتها، حيث مثّل انتظام صدور صحف كـالنهار والسفير بعد اتفاق الطائف علامة على عودة الحياة المدنية إلى العاصمة بيروت، رغم استمرار الأزمات البنيوية والاقتصادية لاحقًا '24 نوفمبر 1989 Le Monde'.
وفي هذا الإطار، تبرز الحاجة إلى مبادرة من المجلس القومي للصحافة والمطبوعات لدعم عودة الصحافة الورقية، عبر تسهيل الإجراءات الفنية والتنظيمية، ومعالجة التحديات المرتبطة بالتمويل والتوزيع وحماية بيئة العمل الصحفي. كما يُنتظر من أكبر ست صحف سوداني علي سبيل المثال: الانتباهة، التيار ، السوداني، الدار، والمجهر السياسي ،الوان أن تنهض بمسؤوليتها الوطنية، وتبادر إلى استئناف الطباعة المنتظمة، باعتبارها مظهر أساسي من مظاهر عودة الدولة إلى العاصمة.
إن الخرطوم اليوم في لحظة بناء جديد، والدولة تحتاج إلى رموز حية تعيد الطمأنينة في نفوس الناس بأن الوطن لم يندثر، وأن مؤسساته قابلة للبعث من جديد. الصحافة الورقية ليست رفاهية، بل أحد أوجه هذا البعث المنتبه.
فلتكن دعوة صريحة من #وجه_الحقيقة نبعث بها في بريد مجلس الصحافة والمطبوعات و الناشرين والصحفيين أن يتحرّكوا الآن، لا غدًا، ليأخذوا مكانهم الطبيعي في معركة استعادة العاصمة، من خلال مبادرة قومية لإعادة طباعة الصحف السودانية في مقارها بالخرطوم ، كما كانت قبل الحرب، كاستثمار واعٍ في في استعادة الأمن والسلام و مستقبل البلاد ودعم المشروع الوطني الذي ينهض به قادة الرأي قبل غيرهم من الفاعلين .
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 21 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com