اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
وجهت فرق المعارضة بمجلس المستشارين انتقادات حادة بخصوص ارتفاع نسبة البطالة بالمغرب، داعيا من جهة أخرى لترسيخ العدالة المجالية بين جميع جهات المملكة في توزيع الاستثمارات.
وأكدت فرق المعارضة، خلال الجلسة العمومية مناقشة وتقييم السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل بمجلس المستشارين، أن 'المؤشرات الرسمية تؤكد ارتفاع نسبة البطالة، لا سيما في صفوف الشباب والنساء، كما أن مناصب الشغل المحدثة، خصوصا في المناطق الصناعية الحرة، يغلب عليها الطابع المؤقت والهش'.
غياب الأثر الواقعي
وفي هذا الصدد، أشار رئيس الفريق الحركي، امبارك السباعي، إلى التضارب بين الأرقام المتفائلة للحكومة والأرقام المتشائمة للمؤسسات الوطنية المستقلة، مؤكدا أن صدق المؤشرات يقاس بمدى أثرها التنموي ومفعولها الاجتماعي وهو ما لا تلمسه، وفق تعبيره، لا المقاولة ولا والفلاح الصغير ولا الكساب أو الصانع التقليدي أو التاجر أو المواطن ولا عموم مغاربة الجبال والمناطق النائية والمهمشة.
واعتبر أن الخلل يكمن في الأعطاب البنيوية والوظيفية للسياسات العمومية التي تراهن على التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية والمجالية، إضافة لطبيعة الأولويات والاختيارات الفاقدة، وفق تعبيره، للبوصلة السياسية تخرجها من المقاربات التقنية وتكسبها رؤية التمييز بين مؤشر النمو بحمولته وبين مؤشر الكيمياء وبين مؤشر التنمية بمفهومه النوعي والمستدام.
وشدد السباعي على أن الخلل يكمن أيضا في كون السياسات الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بالاستثمار والتشغيل لا تفرق بين خدمة المجال وبين تنمية التراب وفي صلبها الإنسان، وفق تعبيره، منتقدا الرفع من تضريب الشركات والمواطنين بعيدا، وفق تعبيره، عن أعين المشرع، معتبرا أنه ' كان من المهم الاستماع لوزير الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات وعدد من المؤسسات العمومية المرتبطة ذات الصلة بالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعي لإغناء تقرير اللجنة الموضوعاتية'.
وظائف مؤقتة وبطالة مرتفعة
من جهته، أكد فريق الاتحاد المغربي للشغل أن 'المؤشرات الرسمية تؤكد ارتفاع نسبة البطالة، لا سيما في صفوف الشباب والنساء، كما أن مناصب الشغل المحدثة، خصوصا في المناطق الصناعية الحرة، يغلب عليها الطابع المؤقت والهش، وتفتقر إلى معايير العمل الكريم والاستقرار المهني؛ وهو ما يعزى، في جانب كبير منه، إلى غياب استراتيجية وطنية موحدة للتشغيل، وإلى ضعف التنسيق بين السياسات الاستثمارية ومنظومة التعليم بشكل عام'.
'كما لا يمكن، حسب الاتحاد المغربي للشغل، التغاضي عن التمركز المجالي المفرط للاستثمار، حيث تستحوذ ثلاث جهات فقط على أزيد من 70% من الاستثمارات الصناعية، الأكثر تشغيلا لليد العاملة، مما يكرس التفاوتات المجالية، ويحرم باقي الجهات من فرص الإقلاع التنموي، بالإضافة إلى ضعف الحكامة، وقصور آليات التتبع والمساءلة، وغياب إشراك النقابات في صياغة وتتبع السياسات العمومية ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي المباشر'.
وأكد الفريق ذاته أن 'الاستثمار ظل يحتل مكانة مركزية في النموذج التنموي المغربي منذ الاستقلال، حيث تم تخصيص موارد عمومية وتحفيزات جبائية وعقارية ضخمة لدعمه؛ غير أن مردوديته الاجتماعية، خصوصا على مستوى التشغيل، ظلت محل تساؤلات وانتقادات واسعة، في ظل تزايد مؤشرات البطالة والهشاشة، وتراجع فرص الشغل اللائق، واتساع وانتشار العمل بنظام المناولة'.
ودعا الفريق لإرساء ميثاق اجتماعي وطني للاستثمار، يروم ضمان الاحترام التام للحقوق الاجتماعية للأجراء، ويربط التحفيزات بإحداث مناصب شغل لائقة ومستدامة وتأسيس مرصد وطني للتشغيل، يعنى بتقييم جودة الشغل وتطورات سوق العمل، ويساهم في توجيه القرار العمومي، مع إصلاح برامج التشغيل من خلال تقييم شامل لنتائجها، وإشراك الفرقاء الاجتماعيين والجهويين في بلورة استراتيجية وطنية موحدة، كفيلة بتوفير شغل قار ومستدام وتقوية البعد الجهوي للاستثمار والتشغيل، من خلال تحفيز الاستثمار في المناطق المقصية، واشتراط التشغيل المحلي بنسب كبيرة ضمن دفاتر التحملات، وإحداث صناديق جهوية لدعم التشغيل.
واعتبر الاتحاد المغربي للشغل أن 'الشغل اللائق ليس نتيجة عرضية للنمو الاقتصادي، بل هو خيار استراتيجي يجب أن يحتل موقعا مركزيا ضمن أولويات الوزارة الوصية، فلا تنمية حقيقية بدون كرامة العامل، ولا استثمار منتج بدون حماية الحقوق والحريات'، وفق تعبيره، مجددا الدعوة إلى إطلاق حوار وطني واسع حول الاستثمار والتشغيل مسؤول يجمع الحكومة والنقابات وأرباب العمل والمجتمع المدني والجهات الترابية، من أجل إعادة خارطة طريق للسياسات العمومية نحو تحقيق التنمية العادلة والمستدامة، سياسات تضع الإنسان في صلب معادلة الاستثمار.
الإخلال بالالتزامات الحكومية
أكدت المستشارة لبنى علوي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب خلال الجلسة العامة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل، أن الحكومة أخلت بالتزاماتها بخصوص التشغيل.
ودعت علوي لكشف المنهجية التي اعتمدتها المندوبية السامية للتخطيط في مراجعة معدلات النمو بين سنتي 2022 و2024، حيث أن الفارق البالغ 1.4 في المائة يثير الاستغراب ولا يعكس الواقع الملموس، ويهدد بفقدان المؤسسة لمصداقيتها داخليًا وخارجيًا، وفق تعبيرها.
وشدد الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على أن 'الواقع يُظهر أن الوضع الاقتصادي ليس بخير والحديث عن بلوغ معدل نمو 4% غير واقعي، ما دامت المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تتوقع ألا يتجاوز 3% في 2025 و2026، في وقت تلتزم فيه الحكومة بتحقيق معدل نمو 6%'، مشيرة إلى أن 90% من النسيج المقاولاتي عبارة عن مقاولات صغيرة أو صغيرة جدًا، مسجلا رقماً قياسيًا في عدد الشركات المفلسة سنة 2024 بأزيد من 14.600 شركة، وملفتا أنه 'رغم التطور الظاهر في الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2024 بزيادة 55%، إلا أن هذه الاستثمارات تبقى أقل بكثير مقارنة بسنة 2021'.
وفي ظل هذا الوضع، أكدت لبنى علوي'صعوبة وفاء الحكومة بالتزاماتها في مجال التشغيل، وعلى رأسها إحداث مليون منصب شغل صافٍ، بل على العكس البطالة في تصاعد، إذ بلغت 13.3% سنة 2024، وقرابة 40% في صفوف الشباب، وهي أرقام مقلقة للغاية، على حد وصفها، مشيرة إلى أن 'الاقتصاد المغربي لا يزال هشًا أمام الأزمات'.
وأكملت: 'وإذا كنا نستعد لاحتضان كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، فذلك يتطلب تحولات جذرية في المنظومة القانونية والمؤسساتية، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، منتج للقيمة المضافة العالية، كما أن موضوع الاستثمار والتشغيل يقتضي الاهتمام بجهاز تفتيش الشغل'، داعية الحكومة لتنفيذ ما تبقى من الاتفاقات السابقة خاصة اتفاق 26 أبريل 2011 و19 أبريل 2019 وكذا اتفاق 30 أبريل 2024.
مردودية ضعيفة للاستثمار
من جهته، أكد المستشار البرلماني لحسن نازهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حجم أن الاستثمار العمومي ظلّ مرتفعًا، لكن أثره على التشغيل لا يوازي ذلك الحجم، ما يستدعي، وفق تعبيره، تقييمًا جريئًا لمردودية الإنفاق العمومي، ولأثره الاجتماعي والاقتصادي.
ففي سنة 2024، يضيف نازهي، ورغم تحسن الاستثمارات المصرح بها، ارتفع عدد المعطلين ليبلغ 1,5 مليون شخص، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات أكثر من 61 في المائة، كما أن أغلب فرص الشغل المعلنة لا تفي بشروط العمل اللائق، وتفتقر للاستدامة، خصوصاً في قطاعات مثل النسيج، الصناعات التحويلية، الفلاحة الموسمية، والتوزيع التجاري، وفق تعبيره.
واعتبرت مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن المغرب أمام تحديين، الأول ضرورة تجاوز المقاربة الكلاسيكية التي تختزل التشغيل في مجرد رقم سنوي، والانتقال نحو رؤية مندمجة تجعل من جودة التشغيل، والعدالة المجالية في خلق فرص الشغل، وربط التكوين بسوق الشغل، محاور أساسية، مع ضرورة تحفيز الاستثمار العمومي والجهوي المحلي في قطاعات ذات أثر مباشر على الشغل كالصحة، التعليم، الاقتصاد الاجتماعي، الانتقال الطاقي، الفلاحة المستدامة.
أما التحدي الثاني، وفق المتحدث ذاته، إعادة النظر في مناخ الاستثمار، ليس فقط عبر النصوص والتشريعات، بل أيضًا من خلال تبسيط المساطر، وضمان الشفافية والمنافسة النزيهة، وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للتشغيل المحلي.
ودعا إلى إحداث مرصد وطني مستقل لتتبع أثر الاستثمارات على التشغيل الحقيقي، وليس فقط عبر التصريحات الإدارية للمشاريع المبرمجة، مؤكدا على أهمية تفعيل التوصيات الصادرة عن اللجنة، ومأسسة آلية لتتبعها وتقييم أثرها، حتى لا تبقى حبرًا على ورق.
وأشار إلى أن 'الاستثمار وحده لا يكفي، إن لم يُوجَّه برؤية اجتماعية عادلة، وإن لم يكن رهانه الأول هو الكرامة من خلال الشغل المنتج والمستدام، ولا تنمية حقيقية دون احترام حقوق العمال، ودون إنصاف الفئات المهمشة، ودون إدماجٍ فعلي للنقابات والجهات في صياغة القرار، وفق تعبيره.