اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
زمنٌ مشطور بالحرب والمنفى والقلب المنهك هو المسرح الذي تدور في فضائه رواية «كمَنْ ينتعل قبراً» للكاتبة السورية سوزان إبراهيم، الصادرة عن دار ميزر في السويد. رواية تكتب الوجع السوري من الداخل، لا كحدث سياسي، بل كمعاناة إنسانية تتقاطع فيها الذاكرة والأنوثة والوطن في سردٍ يتنفس شعراً ووجعاً.تتخذ الكاتبة سوزان إبراهيم من جوليا لازوردي، الصحافية المتعبة والمنفية، محوراً للسرد، وهي امرأة تمشي بين الأمكنة كمن ينتعل قبراً ويسير، لا تبحث عن خلاصٍ بل عن طريقة لاحتمال الحياة. تتنقل من شقةٍ إلى أخرى، ومن حنين لآخر، محاولةً جمع ما تبقى من ذاتها الممزقة بين الحرب والعزلة والخذلان. ولا تروي جوليا الحرب، بل تعيشها داخلها، في قلبها، في صمتها الطويل، وفي قهوتها الباردة التي لم تجد من يشاركها دفأها.ثلاث شخصيات نسائية
زمنٌ مشطور بالحرب والمنفى والقلب المنهك هو المسرح الذي تدور في فضائه رواية «كمَنْ ينتعل قبراً» للكاتبة السورية سوزان إبراهيم، الصادرة عن دار ميزر في السويد. رواية تكتب الوجع السوري من الداخل، لا كحدث سياسي، بل كمعاناة إنسانية تتقاطع فيها الذاكرة والأنوثة والوطن في سردٍ يتنفس شعراً ووجعاً.
تتخذ الكاتبة سوزان إبراهيم من جوليا لازوردي، الصحافية المتعبة والمنفية، محوراً للسرد، وهي امرأة تمشي بين الأمكنة كمن ينتعل قبراً ويسير، لا تبحث عن خلاصٍ بل عن طريقة لاحتمال الحياة. تتنقل من شقةٍ إلى أخرى، ومن حنين لآخر، محاولةً جمع ما تبقى من ذاتها الممزقة بين الحرب والعزلة والخذلان. ولا تروي جوليا الحرب، بل تعيشها داخلها، في قلبها، في صمتها الطويل، وفي قهوتها الباردة التي لم تجد من يشاركها دفأها.
ثلاث شخصيات نسائية
الرواية الجديدة تمتد على 302 صفحة، وصمم غلافها الفنان صلاح سايس، وهي محمولة على ثلاث شخصيات نسائية رئيسة: جوليا، ورؤى، وفرح، كل واحدة منهن تحمل وجهاً مختلفاً من وجوه الأنثى السورية في مواجهة الخراب. عبر أصواتهن، تتقاطع تجارب الحب والوحدة والمرض والموت، لتعيد سوزان إبراهيم رسم صورة المرأة كشاهدة وفاعلة لا كضحية. النساء في هذا النص لا ينهزمْن تماماً؛ إنهن يتهشمن ثم ينهضن من تحت الركام، وهن يحملن في أياديهن ذاكرة مشروخة لكنها لا تموت.
في هذا العمل السردي البديع تعكس البنية السردية المتشظية بدقة واقع البلاد التي تتداعى، فالفصول تتحرك مثل المرايا المكسورة، تعيد كل مرة صورة ناقصة عن الوجع العام. أما اللغة فتميل إلى النثر الشعري المكثف، المشبع بالاستعارات التي تجعل القسوة قابلة للقراءة: الحب مزهرية متصدعة، الحرب دانتيل أسود، الحزن وزن زائد. بهذه الشعرية، تقترب الكاتبة من الجوهر النفسي للحرب، لا من صورتها المرئية فقط.
حب ومقاومة
من بين خطوط الرواية، تتوهج علاقة جوليا وآرام كأحد أكثر محاور النص حساسية وعمقاً. حبهما لا يشبه العشق التقليدي، بل هو شكل من أشكال المقاومة الهادئة ضد الخراب، فبين هشاشة جوليا وصمت آرام يتكوّن حب معطوب لكنه مضيء، وهي علاقة تحيا على الغياب أكثر مما تقوم على اللقاء. الرسائل المؤجلة والمكالمات المقطوعة تتحول إلى استعارة عن الفقد الإنساني الأوسع، كأن الكاتبة تقول إن الحب حين ينهزم في الواقع، ينجو بالإقامة في الذاكرة.
كتابة إنسانية
في رواية «كمن ينتعل قبراً»، تتجاوز سوزان إبراهيم السرد التسجيلي نحو كتابة إنسانية تبحث في الداخل. لا تكتفي بوصف الدمار الخارجي، بل تنبش في المساحات المظلمة للنفس: الاكتئاب، الانهيار، المهدئات، الخوف من الانتحار، الرغبة في النجاة. بينما مدن الرواية، من دمشق إلى المنافي البعيدة، ليست مجرد أمكنة فحسب، بل شخوص تتنفس وتئن وتحتفظ برائحتها القديمة.
بهذا العمل، تثبت سوزان إبراهيم حضورها كصوت أدبي أنثوي يكتب من عمق التجربة السورية، ويمنح للحرب معنى آخر غير الرصاص والدمار. فرواية «كمن ينتعل قبراً» ليست رواية عن الخراب فقط، بل عن الإصرار على الحياة رغم كل ما ينكسر. إنها شهادة فنية تهمس بأن الحبّ والكتابة ما زالا ممكنين، حتى فوق رماد المدن التي تآكلها الغياب.
المؤلفة في سطور
سوزان إبراهيم شاعرة وروائية وصحافية سورية - سويدية، وُلدت في حمص، وتحمل إجازة في اللغة الإنجليزية ودبلومة في التربية وعلم النفس من جامعة حمص. بدأت حياتها المهنية مترجمة ثم عملت في الصحافة الثقافية، وأسهمت في تحرير صفحات الأدب والثقافة.
لديها خمس مجموعات شعرية وثلاث مجموعات قصصية، إضافة إلى روايتها الأولى «لا حمام فوق المدينة» وروايتها الأحدث «كمن ينتعل قبراً».
شاركت أعمالها في أنطولوجيات متعددة، وتُرجمت إلى لغات عدة، منها الفرنسية والسويدية والإسبانية والفارسية، كما كانت كاتبة مقيمة ضمن برنامج ICORN في السويد، وحصلت على منحة تقديرية من مؤسسة Natur & Kultur لتميزها الأدبي.


































