اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
عيسى عبدالسلام -
الانتعاشة التي تشهدها البورصة جاءت لتواكب التطورات الاقتصادية الايجابية في البلاد، مدعومة بمجموعة عوامل أبرزها تسريع عملية الاصلاح في الملفات الاقتصادية والمالية وتأكيد الحكومة على نهج الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز النمو الاقتصادي والحراك التشريعي خصوصا فيما يتعلق بالقوانين الداعمة للسيولة، وتنفيذ مشروعات التنمية الكبرى.
إلى ذلك، أكدت أوساط بورصوية لـ القبس مجدداً على متانة السوق المالي الكويتي وقدرته على استيعاب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، مستنداً إلى منظومة مالية متكاملة وجهود مؤسسية حثيثة أحدثت نقلة نوعية ووضعت البورصة المحلية بين مصافي الأسواق العالمية وعلى رادار الترقية إلى مؤشر فوتسي للأسواق الناشئة المتقدمة. ولفتت إلى أن التفوق الذي حققته مؤشرات سوق المال لم يكن عابراً أو ناتجاً عن تحركات قصيرة الأجل، بل يعكس ثقة المستثمرين بالمسار الإصلاحي والتنظيمي الذي اتخذته الجهات الرقابية والتنظيمية، ونجاح السياسات الاقتصادية الحكومية في دعم بيئة الأعمال وتحفيز الاستثمار.
مسار تنموي
وأثبتت التجربة الكويتية في تطور سوق المال، أن العمل المؤسسي والتعاون بين القطاعين العام والخاص هو الطريق الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة، إذ إن الجهود المبذولة خلال الآونة الأخيرة، والتي ساهمت في ترقية بورصة الكويت وجعلتها قبلة للأجانب حيث تجاوزت استثماراتهم في السوق المالي 7 مليارات دينار، ولم تأتِ هذه التطورات من فراغ، بل جاءت نتيجة رؤية واضحة وجهود متواصلة أثمرت عن بيئة استثمارية أكثر نضجا.
ويمكن القول إن ما تحقق حتى الآن يمثل مرحلة تأسيسية قوية لمرحلة أكثر ازدهاراً، خصوصا مع قرب تفعيل أدوات مالية جديدة وصدور تشريعات داعمة للنمو الاقتصادي، الأمر الذي يعزز من مكانة الكويت على خريطة الأسواق المالية الإقليمية والعالمية.
وترى أوساط السوق، أن صعود مؤشرات بورصة الكويت إلى قمم تاريخية وتفوقها يعد في جوهره ترجمة عملية لمسار تنموي شامل تقوده الدولة بثبات، قاعدته التعاون مع القطاع الخاص، وركيزته التشريعات الحديثة، ومحركه ثقة المستثمرين، إضافة إلى استمرار الإصلاحات في منظومة سوق المال ورفع مستوى الشفافية وتطويرالقواعد التنظيمية التي باتت أكثر انسجاماً مع المعايير الدولية لتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، إلى جانب تحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد الوطني نتيجة الخطط التنموية التي تنفذها الدولة ضمن رؤية الكويت 2035.
تكامل المنظومة
ولا يمكن الحديث عن صعود بورصة الكويت دون الإشارة إلى التكامل بين أركان منظومة السوق المالي التي تضم هيئة أسواق المال وشركة البورصة والشركة الكويتية للمقاصة وشركات الوساطة والاستثمار وقطاع البنوك ومزودي الخدمات الاستثمارية، اذ نجحت هذه المنظومة في توحيد الجهود نحو هدف مشترك يتمثل في تعزيز تنافسية السوق وتحقيق الكفاءة والعدالة والشفافية ما أدى الى نقلة نوعية على صعيد نيل ثقة الترقية الى الأسواق الناشئة.
وفي هذا السياق، تجدر الاشارة الى أن هيئة أسواق المال أدت دورا جوهريا في دفع مسيرة تطوير السوق المالي الكويتي خلال السنوات الأخيرة، حيث تبنت سلسلة من المبادرات والبرامج الهادفة لتحديث الإطار التشريعي والتنظيمي للسوق بما يواكب أفضل الممارسات العالمية، مشيرة الى أنها قد حرصت على مراجعة وتحديث اللوائح التنفيذية وتطوير بيئة الحوكمة والإفصاح والشفافية إلى جانب رفع كفاءة الشركات المدرجة ومقدمي الخدمات المالية، اضافة الى تدشين منظومة الطرف المقابل المركزي وتأهيل الوسيط المؤهل، فضلا عن العمل على إطلاق أدوات مالية جديدة مثل الصكوك والسندات التجارية وصناديق المؤشرات، واطاق منصة خاصة لتداول أسهم الشركات الناشئة «الصغيرة والمتوسطة»، وكذلك المضي قدما نحو تهيئة البنية التحتية اللازمة لتفعيل أدوات حديثة مثل المشتقات العقود المستقبلية خلال المرحلة الأخيرة من برنامج تطوير السوق، وهي خطوات من شأنها تعزيز كفاءة السوق وتوسيع خيارات المستثمرين.
من جانبها، تواصل شركة بورصة الكويت للأوراق المالية تنفيذ استراتيجيتها لتطوير السوق وتعزيز جاذبيته الاستثمارية، مستندة إلى نموذج ناجح للخصخصة والإدارة الوطنية الاحترافية، حيث نجحت البورصة في تحقيق إنجازات بارزة على صعيد تحسين قواعد الادراج وتحسين أنظمة التداول، ورفع كفاءة الخدمات المقدمة للمستثمرين المحليين والدوليين، كما شهدت البنية التحتية للسوق تحديثات جوهرية دعمت انسيابية العمليات وزادت من قدرة السوق على جذب رؤوس الأموال الأجنبية، حيث أنه من المقرر أن يتم تمديد عدد ساعات التداول في بورصة الكويت 30 دقيقة اضافية وتغيير الية مزاد الاغلاق في 12 اكتوبر الجاري.
كما تسعى البورصة كذلك إلى توسيع قاعدة المستثمرين عبر الترويج للسوق الكويتي في المحافل الدولية وتنظيم اللقاءات مع المؤسسات المالية العالمية، ما أسهم في زيادة الاهتمام الأجنبي ورفع حجم التداولات خلال العام الحالي، وكذلك عززت الشركة من جهودها لتحسين مستويات السيولة من خلال العمل على اطلاق أدوات ومنتجات مالية جديدة واعادة النظر في أخرى بالتعاون مع شركات الاستثمار، بهدف خلق بيئة تداول أكثر توازناً واستقراراً.
تشريعات حديثة
تزامن النشاط المتنامي في بورصة الكويت مع العمل على صدورمجموعة من التشريعات الاقتصادية الحديثة التي تمثل حجر الزاوية في تعزيز بيئة الاستثمار والتنمية، وأبرزها قانون التمويل والسيولة الذي أتاح أدوات مالية جديدة وأسهم في تعزيز استقرار النظام المالي وانتعاش الأحتياطي العام للدولة، إلى جانب كل من قانون الرهن العقاري والمطور العقاري المنتظر اقرارهما قريبا بغرض تنظيم القطاع العقاري وتنشيطه وحل الأزمة الاسكانية، بالاضافة الى قرار بنك الكويت المركزي بخفض الفائدة الى %3.75، في خطوة تعكس سياسة ائتمانية متوازنة تناسب الدورة الائتمانية في الدولة، بما انعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى البورصة بشكل خاص.
هذه التشريعات ستسهم في خلق فرص جديدة أمام القطاع الخاص للمشاركة في المشاريع التنموية الكبرى، وتوفير بيئة قانونية متكاملة تشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي، الأمر الذي يبرهن أن التطورات التشريعية جاءت ثمرة تعاون وثيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ما يعكس عمق الشراكة بين الطرفين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، الأمر الذي انعكس بالإيجاب على أداء مؤشرات البورصة عبر تحسين البيئة الاستثمارية التي تساعد على جذب رؤوس الأموال وتنميتها.
ركيزة أساسية
يعتبر التعاون مع القطاع الخاص الركيزة الأساسية للحراك الاقتصادي الذي تشهده الكويت في المرحلة الحالية، فقد بات واضحا أن الدولة تسعى إلى تمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في قيادة النمو الاقتصادي من خلال تحفيز الاستثمارات، وتسهيل الإجراءات، وتقديم الحوافز. وهذا التوجه قد أسهم في خلق بيئة أكثر ديناميكية تدعم الابتكار والمنافسة وجذب الشركات العالمية.
ويرى مراقبون ان الخطط الرامية إلى جذب الشركات العالمية للاستثمار في السوق الكويتي من خلال شراكات إستراتيجية بدأت تترجم على أرض الواقع، خصوصاً في القطاعات المالية والعقارية والتكنولوجية، إذ تعمل الجهات التنظيمية على استقطاب هذه الشركات عبر تحديث التشريعات وتبسيط الإجراءات وتوفير بنية تحتية مالية متقدمة تضمن بيئة أعمال مستقرة وآمنة.
انعكاسات إيجابية
لفتت أوساط بورصوية الى إن صعود مؤشرات بورصة الكويت ليس مجرد ظاهرة رقمية، بل هو انعكاس لثقة المستثمرين بالاقتصاد الكويتي وفاعلية السياسات المتبعة، كما أن ارتفاع القيمة السوقية للأسهم المدرجة يعزز من ثروة الأفراد والمؤسسات، ويخلق تأثيراً إيجابياً على معدلات الإنفاق والاستثمار، ما يدعم النمو الاقتصادي بشكل عام.
وأشارت الى أن الزخم في السوق المالي سيشكل أحد المحركات الأساسية للتنمية الاقتصادية، خاصة مع توجه الدولة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز مكانة الكويت كمركز مالي إقليمي. ومع استمرار هذه الجهود، تبقى الآفاق مفتوحة أمام السوق الكويتي ليواصل تألقه ويكون عنواناً للنجاح المالي والتنمية الاقتصادية في المنطقة.