فولفو.. نظام لا يتكلم لكنه يتدخل

في المقال السابق، توقفنا عند لحظة فارقة، تلك التي تسبق الاصطدام بجزءٍ من الثانية، حين تتفاعل حساسات فولفو مع ميلان السيارة وتسارعها الجانبي لتُجهّز نظام الحماية من الصدمات الجانبية «SIPS». غير أن هذه المنظومة لا تعمل وحدها، ففي قلب المقعد تنتظر طبقة حماية إضافية أن تُستدعى، وهي الوسائد الهوائية الجانبية التي أطلقتها فولفو عام 1994، لتُكمل دائرة الأمان وتمنح الركاب فرصة النجاة من أخطر أنواع التصادمات.

تعود فكرة الوسائد الهوائية الأمامية إلى المخترع الأمريكي جون هيتريك، الذي سجّل براءة اختراع وسادة هوائية عام 1953 بعد أن ألهمه حادث كاد أن يودي بحياته وحياة أسرته. ومع دخول السبعينيات، بدأت بعض الشركات تطبيق الفكرة في السيارات التجارية، مثل مرسيدس بنز وجنرال موتورز، بهدف حماية السائق والراكب الأمامي من الصدمات المباشرة.

لكن فولفو رأت ما لم يره الآخرون، فالحوادث لا تأتي من اتجاه واحد، والخطر لا يختار زاوية واحدة. ومن هنا وُلدت رؤيتها المختلفة «السلامة لا تعرف جهة واحدة».

في عام 1994، قدّمت فولفو للعالم أول نظام وسائد هوائية جانبية عبر طراز «فولفو 850»، ضمن منظومة متكاملة تُعرف باسم «نظام الحماية الجانبية مع الوسادة الهوائية الجانبية». أضافت هذه التقنية بعدًا جديدًا للحماية يشمل الصدر والرأس. لم يكن الهدف امتصاص الصدمة فقط، بل إعادة توجيهها بعيدًا عن جسم الإنسان. فعند وقوع تصادم جانبي، تُطلِق الوسائد الهوائية خلال 0.03 من الثانية تقريبًا، لتُحيط بالصدر والرأس، وتمنع الارتطام بالأبواب أو الزجاج، مما يقلّل من خطر الإصابات الخطيرة بشكل كبير.

لكن عبقرية فولفو لم تكن في الوسادة وحدها، بل في تكاملها مع تصميم هيكل السيارة. إذ يعمل نظام الحماية الجانبية على توزيع قوة الصدمة على كامل هيكل السيارة، بحيث تتحملها نقاط متعددة بدلًا من تركيزها على الراكب وحده. إنها استجابة فورية لا تُرى، لكنها تُحدِث الفرق بين إصابة ونجاة.

وفي بيئة القيادة المتنوعة مثل طرق الكويت، بين الزحام الحضري والمناورات السريعة، تصبح هذه الوسائد أكثر من مجرد ميزة تقنية، إنها طبقة أمان صامتة لكنها حاسمة، تُشعر السائق والركاب أن السيارة لا تكتفي بالتحرك، بل تحمي. فولفو، من خلال هذا الابتكار، تُثبت مرة أخرى أن السلامة ليست رد فعل، بل تصميم استباقي يبدأ من الداخل، ويُفكّر في الإنسان قبل أن يُفكّر هو في الخطر. فبفضل الحساسات الموزعة في أنحاء السيارة، يستطيع النظام التنبؤ بالاصطدام قبل وقوعه، فيقوم بشدّ الأحزمة وضبط وضعية المقاعد، وتجهيز الوسائد الهوائية قبل جزءٍ من الثانية من لحظة التصادم. إنها لحظة استباقية تنقذ حياة، هذا التكامل بين التصميم الميكانيكي والابتكار التقني جعل نظام الحماية الجانبي واحدًا من أكثر أنظمة الأمان تأثيرًا في تاريخ صناعة السيارات. الوسائد الهوائية الجانبية كانت تجسيدًا حقيقيًا لفلسفة فولفو المعتادة «الأمان لا يُضاف إلى السيارة، بل يُبنى في داخلها».

وفي خطوة تعكس قيم فولفو الإنسانية العميقة، كعادتها قررت الشركة مشاركة هذا الابتكار مجانًا مع بقية شركات السيارات حول العالم، كما فعلت سابقًا مع حزام الأمان الثلاثي الشهير. فبالنسبة لفولفو، حماية الأرواح لا تعرف المنافسة.

في المقال القادم، سنكشف كيف طوّرت فولفو الوسائد الهوائية الستائرية لحماية الرأس، ولماذا أصبحت معيارًا عالميًا في مواجهة الصدمات الجانبية والعلوية.

مشعل يوسف الصفران