اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
في السابق، كانت الوفاة تعني نهاية حتمية لمسيرة أي إنسان مهما بلغ من شهرة ونجومية، أما اليوم، فقد أصبحت الحياة الرقمية بعد الموت واقعًا جديدًا تفرضه التكنولوجيا، بل أداة مادية وإنسانية في آنٍ واحد، فهي من جهة تُساهم في حفظ إرث الشخص بعد وفاته، ومن جهة أخرى تمنع استغلال صورته أو تشويهها رقميًا أو تجاريًا. هذا الوعي الرقمي الاستباقي تجسد في قرار الممثل العالمي الراحل روبن ويليامز، ومن أشهر أفلامه فيلم Jumanji، الذي لا يزال عالقًا في ذاكرة الأجيال، حيث نصّت وصيته، المكتوبة عام 2012، على منع استخدام اسمه، صوته، توقيعه، صوره أو ملامحه لأي غرض رقمي أو تجاري لمدة 25 عامًا بعد وفاته، أي حتى عام 2039.
وهنا نقف ونلاحظ التقدم التقني الذي تتمتع به هوليوود في المجال السينمائي والوعي الذي تحلى به ممثلوها قبل عشر سنوات من إطلاق الذكاء الاصطناعي التوليدي لعامة المستخدمين. أي إن الوصية سبقت طفرة الذكاء الاصطناعي بسنوات، إلا أنها تعكس بُعد نظر نادر في التعامل مع مخاطر ما بعد الحياة.
وفي المقابل، نلاحظ في الآونة الأخيرة تسابق الجهات الإعلامية والشركات نحو إعادة إحياء المشاهير رقميًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، بهدف إثبات قدرتها على مواكبة أحدث التقنيات، لكن يبقى السؤال الجوهري والأخلاقي والتقني يُطرح، هل كل تقنية جديدة متطورة يجب استخدامها فورًا وبشكل رسمي؟. من وجهة نظري التقنية والفنية والحسية الجواب هو قطعاً لا، لأن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي رغم دقتها المتقدمة، لا تزال غير قادرة على إعادة تجسيد الشخصية من الصفر بشكل متكامل %100، خصوصًا عندما تكون الشخصية متحركة. فكلما زادت الحركة، ظهرت الأخطاء البصرية، وازداد الانفصال بين الصوت وحركة الشفاه، ناهيك عن فقدان الأداء للروح والشعور الحقيقي وكأنها جسد بلا روح. و أبرز دليل على ذلك فيلم «Here» للممثل الشهير توم هانكس، الذي تم عرضه في أواخر عام 2024، حيث يُعتبر من أوائل أفلام هوليوود الكبيرة التي استخدمت فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف لإظهار الشخصية بسن أصغر [[de - aging. ورغم التقدم التقني، اضطر صُنّاع الفيلم إلى تصويره بلقطات ثابتة ومن زاوية واحدة فقط طوال الفيلم، لتجنب أي أخطاء تقنية. ومع ذلك، رُصدت تشوهات بصرية واضحة وعدم تطابق بين الصوت وحركة الفم، ما جعل التجربة بالنسبة للجمهور تبدو وكأنها صورة معدّلة، وليست روحًا حقيقية تنبض بالحياة.
لذلك، أرى أن تحريك الصور الثابتة يظل الاستخدام الأنسب في الوقت الحالي، إلى أن تصل تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مستوى أعلى من الدقة والواقعية. نعم، من المهم اختبار هذه الأدوات واستكشاف حدودها، ومعرفة مدى تقدمها، لكن لا ينبغي اعتمادها رسميًا في إحياء الشخصيات الشهيرة إلا في الوقت المناسب، وبحذر شديد، حتى لا تتأثر صورتهم الجميلة وهيبتهم الراسخة في أذهان جماهيرهم. وفي الختام، لا بد من الإشادة بالخطوة الاستباقية التي اتخذها روبن ويليامز، والدعوة إلى كل الإعلاميين والمخرجين إلى التعلم منها، بوضع معايير تحفظ كرامة الإنسان، حيًا وميتًا. فقد شكّلت تلك الخطوة سابقة قانونية وأخلاقية في عالم الاستخدام الرقمي، وأعادت تعريف معنى الخصوصية بعد الموت، في زمن قد تطغى فيه التقنية على إنسانية الإنسان.
م.أسماء محمد السعيدي