اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما أهمية الشراكة الدبلوماسية الكويتية–المصرية؟
تعزز الوساطة وتدعم الاستقرار الإقليمي.
كيف يخدم الاتفاق دور الكويت التقليدي؟
يمنحه بعداً مؤسسياً ويقوي مكانتها الدبلوماسية.
تفرض التطورات المتسارعة في المنطقة ضرورة إعادة صياغة الشراكات الدبلوماسية بين العواصم العربية، بما يتيح بناء ممرات للتنسيق السياسي وتخفيف حدة الأزمات عبر مقاربات عملية تعزز من فرص الوساطة والحلول السلمية.
ويأتي توقيع مذكرة التفاهم بين الكويت ومصر (21 سبتمبر 2025) ليعكس هذا التوجه، باعتباره خطوة تسعى لفتح آفاق تعاون دبلوماسي منظم يعزز من الاستقرار الإقليمي.
كما تهدف المذكرة التي وقّعها معهد سعود الناصر الصباح الدبلوماسي مع مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام التابع لوزارة الخارجية المصرية، إلى تعزيز التعاون في مجالات الأمن الإقليمي وبناء القدرات الدبلوماسية.
تعاون دبلوماسي
وتشكل هذه المذكرة محطة جديدة في مسار التعاون الدبلوماسي العربي؛ لكونها تعكس توجه البلدين نحو شراكات أكثر تنظيماً في مجالات الوساطة وتسوية النزاعات.
وبحسب مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون المعهد السفير ناصر الصبيح، فإن 'المذكرة تشمل إطاراً للتعاون المشترك في مجالات التدريب والبحث وتبادل المعرفة، مع التركيز على ملفات رئيسية تشمل الوساطة وتسوية النزاعات وقضايا المرأة والسلام والأمن'.
وأوضح الصبيح في تصريحات لوكالة الأنباء الكويتية 'كونا' (21 سبتمبر 2025) أن 'الاتفاق الجديد يأتي ضمن المساعي المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، عبر تبادل الخبرات والمعرفة بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين'.
كما أشار إلى أن 'المذكرة من شأنها رفع القدرات في مجالات السلام والتنمية المستدامة وتسوية النزاعات، بما يعكس رؤية الكويت في بناء أدوات دبلوماسية متطورة ومواكبة للتحديات العالمية'.
وذكر في هذا الصدد أن 'المذكرة تضع إطاراً عملياً للتعاون يركز على تعزيز الحلول السلمية للخلافات، وإدماج دور المرأة في عمليات بناء السلام من خلال برامج توعية وتدريب'.
ومن المنتظر أن تمنح هذه الخطوة الكويت مساحة إضافية لتفعيل موقعها التقليدي في الوساطات العربية والدولية، عبر شراكة مؤسسية مع مصر التي تمتلك خبرة طويلة في إدارة ملفات معقدة.
انعكاسات إقليمية
يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد سليمان الزواوي، أن التعاون الدبلوماسية بين الكويت ومصر سيصب بلا شك في مصلحتهما المشتركة ومن ثم في مصلحة العالم العربي ككل.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين':
- الهدف الأساسي هو تطوير الكوادر والكفاءات القادرة على تسوية وفض النزاعات وحفظ وبناء السلام في المنطقة بشكل فعال ومستدام.
- أهمية هذه الخطوة أنها تأتي لصالح المنطقة العربية المليئة بالنزاعات البينية المتعلقة بالحدود أو بمصادر المياه أو الطاقة.
- المذكرة الموقعة بين الطرفين تهدف كذلك إلى تعزيز التعاون المشترك في مجالات التدريب والبحث وتبادل المعرفة بين الجانبين.
- هذه الشراكة تستغل التاريخ الدبلوماسي العريق للقاهرة من جهة، كما تستفيد من مكانة الكويت ووضعها في مجلس التعاون الخليجي، ومن تاريخها في الوساطات الدبلوماسية التي طالما عملت على فض النزاعات ونزع فتيل الأزمات وتقريب وجهات النظر.
- الاتفاقية ستعمل كذلك على إشراك المرأة في عمليات تسوية النزاعات، لما لها من أثر على تمكينها باعتبارها جزءاً فاعلاً في المجتمع.
- هذا التعاون بين مصر والكويت سيضيف بعداً جديداً لعمليات الوساطة الجارية حالياً، مما يسهم في تعدد أوجه الوساطات وتنوعها في الإقليم.
إرث الوساطات
وبرزت الوساطة كإحدى السمات الجوهرية في سياسة الكويت الخارجية منذ استقلالها عام 1961، إذ سعت الدولة إلى ترسيخ دور إقليمي متوازن يوفّق بين ضغوط الجوار من جهة، ويؤكد استقلال قرارها السياسي من جهة أخرى.
كما شكّلت الوساطة أداة لإثبات الحضور الدولي للكويت وترسيخ صورتها كـ'دولة سلام' تسعى لحل النزاعات بالحوار والدبلوماسية.
وبدأت ملامح هذا الدور تتبلور في منتصف ستينيات القرن الماضي، حين بادرت الكويت إلى التوسط بين مصر والسعودية في النزاع المرتبط باليمن، في أول اختبار جدي لدبلوماسيتها الناشئة.
وفي أواخر الستينيات، لعبت الكويت دوراً محورياً في تسوية الخلاف بين إيران والبحرين بشأن السيادة، وهو المسار الذي توج بإجراء استفتاء شعبي أفضى إلى استقلال البحرين عام 1971، ليسجل ذلك كإحدى أبرز نجاحات الوساطة الكويتية المبكرة.
وخلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، واصلت الكويت نشاطها كوسيط في عدد من الأزمات الإقليمية، إذ شاركت في جهود التهدئة بين باكستان وبنغلاديش بعد الاستقلال، وسعت إلى احتواء أحداث 'أيلول الأسود' بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1970، كما رعت مصالحة شطري اليمن عام 1972، وتوسطت في النزاع بين عمان واليمن عام 1984.
وفي تلك الفترة أيضاً، طرحت الكويت نفسها وسيطاً في الخلاف التركي–البلغاري حول أوضاع الأقلية التركية عام 1989، وسعت لتقريب وجهات النظر بين السعودية وليبيا عام 1982.
أما في لبنان فحافظت على موقع متوازن جعلها طرفاً مقبولاً لدى مختلف القوى المتنازعة، كما أبقت قنوات التواصل مفتوحة في أزمات معقدة مثل الخلافين السوري – العراقي والسوري – الأردني.
وشكل الغزو العراقي للكويت عام 1990 نقطة تحول في السياسة الخارجية الكويتية، إذ دفعتها الصدمة إلى الانكفاء مؤقتاً عن أدوار الوساطة، قبل أن تستعيد تدريجياً دورها في العقدين التاليين عبر مبادرات تركزت على نطاق منطقة الخليج والعالم العربي.
أبرز تلك المبادرة، قيادة الكويت سلسلة وساطات بارزة في هذا الإطار، من بينها التوسط بين الإمارات وعُمان عام 2009، والمساهمة في احتواء الأزمة الخليجية الأولى عام 2014، إضافةً إلى استضافة محادثات يمنية موسّعة عام 2016.
وفي عام 2017، تصدت الكويت مجدداً لدور الوسيط في الأزمة الخليجية الثانية بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لتتوج جهودها بالنجاح عبر اتفاق العلا في يناير 2021، الذي أنهى الخلاف وأعاد اللحمة إلى البيت الخليجي.