اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
أحمد مغربي
أثبتت البنوك الكويتية أنها ليست مجرد مؤسسات مصرفية تقليدية، بل ركيزة أساسية في بناء الاقتصاد الوطني ومحرك رئيسي لدورته التمويلية والاستثمارية، فقد تحولت من كونها جهات وسيطة لإيداع وسحب الأموال إلى كيانات استراتيجية تمول المشاريع الكبرى، وتوفر السيولة اللازمة للاكتتاب في أدوات الدين الحكومية، وتدعم توسع القطاع الخاص، وتؤمن الصفقات التجارية، وتتيح أدوات استثمارية ذات بعد عالمي.
ويكشف ذلك بوضوح في الحسابات النظامية التي تجاوزت لأول مرة في تاريخها حاجز الـ40 مليار دينار بنهاية يوليو 2025، وهو رقم يعكس الثقل المتنامي للقطاع المصرفي الكويتي في تعزيز الاستقرار المالي ومواكبة التحولات الاقتصادية، هذا الإنجاز لا يقتصر على حجم السيولة فحسب، بل يعبر أيضا عن متانة البنية الرقابية والمصرفية التي جعلت من البنوك الكويتية شريكا استراتيجيا للدولة والمستثمرين على حد سواء.
ومع ذلك، تبقى التحديات ماثلة، سواء من خلال تقلبات أسعار الفائدة العالمية، أو المنافسة الإقليمية، أو الضغوط المرتبطة بالتحول الرقمي، لكن ما حققته البنوك الكويتية حتى الآن يجعلها مرشحة بقوة لتوسيع حضورها كلاعب إقليمي فاعل في السنوات المقبلة، بما يرسخ مكانة الكويت كمركز مالي مؤثر في المنطقة.
وتمثل الحسابات النظامية مرآة لنشاط الاقتصاد، فهي تشمل العمليات التي تديرها البنوك لصالح الغير أو تلتزم بها لصالح أطراف أخرى، مثل خطابات الضمان للمشاريع، والاعتمادات المستندية للتجارة الخارجية، والقبولات المصرفية، إضافة إلى الأصول المدارة بصفة أمانة والمشتقات المالية. ورغم أنها لا تدخل مباشرة في ميزانيات البنوك، إلا أنها تكشف مدى قوة وحيوية الجهاز المصرفي.
ويعد ارتفاع الحسابات النظامية إلى أكثر من 40 مليار دينار ليس مجرد توسع في العمليات المصرفية، بل يعد إشارة على الدور الاستراتيجي للبنوك في استقرار الاقتصاد الكويتي، ففي ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، كان للجهاز المصرفي دور واضح في امتصاص الصدمات عبر توفير أدوات تمويلية واستثمارية بديلة للشركات والمستثمرين، سواء عبر المشتقات المالية أو عبر تعزيز الاعتمادات المستندية لتمويل التجارة الخارجية.
ويعكس هذا النمو تنويع الأنشطة وتوسيع قاعدة العملاء، إذ لم يعد يقتصر نشاط البنوك على التمويل التقليدي، بل توسع ليشمل إدارة استثمارات الأفراد والمؤسسات، محليا وخارجيا، هذه المرونة مكنت البنوك من تنويع مصادر دخلها وتقليل اعتمادها على القروض المباشرة فقط.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه الأرقام ستنعكس على ثقة المستثمرين والتصنيفات الائتمانية للبنوك الكويتية، إذ تكشف عن متانة الجهاز المصرفي وقدرته على إدارة التزامات ضخمة. كما أن تنامي الأصول المدارة يعكس ثقة العملاء في البنوك المحلية بدلا من اللجوء إلى المؤسسات المالية الأجنبية، ما يعزز مكانة الكويت كمركز مالي إقليمي، وتفصيليا:
الإجمالي العام
بلغ إجمالي الحسابات النظامية 40.2 مليار دينار في يوليو 2025، مقابل 32.6 مليار دينار في يوليو 2024، وذلك بارتفاع نسبته 23.3%، ومنذ بداية العام سجلت ارتفاعا في 7 أشهر بنسبة 12.9% إذ بلغت 35.6 مليار دينار بنهاية ديسمبر 2024.
واستقر عدد البنوك العاملة في السوق المحلي عند 21 بنكا بنهاية يوليو 2025، دون تغيير عن يوليو 2024 وديسمبر 2024، ما يعكس استقرار هيكل القطاع المصرفي.
وسجلت الأرصدة النقدية 5.4 ملايين دينار في يوليو 2025، مقارنة بنحو 5.6 ملايين دينار في يوليو 2024، مسجلة بذلك تراجعا نسبته 3.6%، ومنذ بداية العام تراجعت بنسبة 14.3% إذ سجلت بنهاية ديسمبر مستوى 6.3 ملايين دينار.
ولجهة الأصول المدارة بصفة أمانة فبلغت 6.3 مليارات دينار بنهاية يوليو 2025، مقابل 4.7 مليارات دينار بنهاية يوليو 2024، لتسجل ارتفاعا سنويا بلغ 34%، فيما ارتفعت منذ بداية العام أي فترة الـ 7 أشهر بنسبة 28.6% إذ بلغت بنهاية ديسمبر الماضي 4.9 مليارات دينار.
خطابات الاعتماد المستندية بلغت 1.3 مليار دينار خلال يوليو 2025، مقارنة بـ 1.12 مليار دينار في يوليو 2024، مسجلة بذلك ارتفاعا سنويا نسبته 16.1%، علما بأنها بلغت في ديسمبر 2024 مستوى 1.3 مليار دينار.
خطابات الضمان بلغت بنهاية يوليو 2025 مستوى 12.37 مليار دينار، مسجلة ارتفاعا سنويا نسبته 6.4%، ومنذ بداية العام ارتفعت بنسبة 3.1% إذ بلغت 12 مليار دينار بنهاية ديسمبر 2024.
وعن القبولات المصرفية، ارتفعت إلى 952.5 مليون دينار في يوليو 2025، مقارنة بـ 648.5 مليون دينار في يوليو 2024، مسجلة نموا سنويا بلغ 46.9%، ومنذ بداية العام ارتفعت بنسبة 26.4% إذ بلغت 753.5 مليون دينار بنهاية ديسمبر 2024.
الالتزامات غير القابلة للإلغاء بلغت 1.3 مليار دينار بنهاية يوليو 2025، مقارنة بـ 1.4 مليار دينار في يوليو 2024، مسجلة بذلك تراجعا سنويا نسبته 7.1%، أما منذ بداية العام فقد ارتفعت بنسبة 8.3% إذ بلغت 1.2 مليار دينار بنهاية ديسمبر 2024.
مجموع الالتزامات الطارئة سجل مستوى 15.9 مليار دينار في يوليو 2025، مقارنة بـ 14.8 مليار دينار بنهاية يوليو 2024، مسجلا نموا سنويا نسبته 7.4%، ومنذ بداية العام ارتفع بنسبة 4.1% إذ بلغ 15.27 مليار دينار بنهاية ديسمبر الماضي.
المشتقات المالية
استثمارات البنوك في المشتقات المالية بلغت 15.9 مليار دينار في يوليو 2025، مسجلة قفزة سنوية بلغت 47.5% مقارنة بـ 10.78 مليارات دينار في يوليو 2024، ومنذ بداية العام ارتفعت بنسبة 21.4% إذ بلغت 13.1 مليار دينار بنهاية ديسمبر 2024.
وإجمالا، فإن تجاوز الحسابات النظامية حاجز 40 مليار دينار يمثل مرحلة جديدة في مسيرة القطاع المصرفي الكويتي، حيث أصبح لاعبا رئيسيا ليس فقط في التمويل المحلي، بل أيضا في مواكبة التحولات المالية العالمية، وإذا استمر هذا النمو بنفس الوتيرة، فإن البنوك الكويتية مرشحة لتعزيز مكانتها كواحدة من أقوى القطاعات المصرفية في المنطقة من حيث القدرة على تمويل التنمية وضمان الاستقرار الاقتصادي.