اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
ربما تكون زيارة رئيس وزراء جمهورية فيتنام الاشتراكية فام مينه تشينه للبلاد الأسبوع الجاري فرصة لتسليط الضوء على واحدة من أبرز قصص التحول الاقتصادي الناجحة في العالم خلال ال 50 عاماً الماضية.ومع أن البيان الكويتي - الفيتنامي المشترك الذي صدر عقب الزيارة الرسمية تطرّق الى ما يُعرف برتوكولياً بتوسيع آفاق التعاون الثنائي عبر برامج شاملة تشمل مختلف المجالات، بما في ذلك التقنيات الناشئة والوسائط الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي وسبل تطوير التعاون في قطاع الطاقة وبعض الإشارات بشأن إعادة هيكلة مشروع مصفاة ومجمع بتروكيماويات نغي سون الذي تساهم فيه مؤسسة البترول الكويتية في فيتنام ويواجه تحديات ادارية ومالية وشبهات مختلفة منذ سنوات عديدة، فإنه لم يوقع أي اتفاقية فعلية أو برتوكول بين البلدين يتعلق بأي من الملفات الاقتصادية المثارة.تبادل واختراق
ربما تكون زيارة رئيس وزراء جمهورية فيتنام الاشتراكية فام مينه تشينه للبلاد الأسبوع الجاري فرصة لتسليط الضوء على واحدة من أبرز قصص التحول الاقتصادي الناجحة في العالم خلال ال 50 عاماً الماضية.
ومع أن البيان الكويتي - الفيتنامي المشترك الذي صدر عقب الزيارة الرسمية تطرّق الى ما يُعرف برتوكولياً بتوسيع آفاق التعاون الثنائي عبر برامج شاملة تشمل مختلف المجالات، بما في ذلك التقنيات الناشئة والوسائط الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي وسبل تطوير التعاون في قطاع الطاقة وبعض الإشارات بشأن إعادة هيكلة مشروع مصفاة ومجمع بتروكيماويات نغي سون الذي تساهم فيه مؤسسة البترول الكويتية في فيتنام ويواجه تحديات ادارية ومالية وشبهات مختلفة منذ سنوات عديدة، فإنه لم يوقع أي اتفاقية فعلية أو برتوكول بين البلدين يتعلق بأي من الملفات الاقتصادية المثارة.
تبادل واختراق
وحسب بيانات عام 2024 فإن حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين فيتنام والكويت بلغ نحو 7.3 مليارات دولار، إذ يشمل التبادل التجاري في السلع غير النفطية الأسماك والفاكهة والأقمشة والأثاث والإلكترونيات.
وفي الحقيقة، تجربة فيتنام الاقتصادية فيها دروس أعمق مما تضمنته الزيارة أو النقاشات البروتوكولية أو حتى العلاقات التجارية والاقتصادية، فهي تمثل معجزة نادرة في النجاح الاقتصادي في أسوأ الظروف السياسية والاقتصادية وحتى المعيشية والإنسانية يمكن أن تمثل نموذجاً لدول أخرى ليس لاستنساخ التجربة إنما لفهم إمكانية تحقيق اختراق على صعيد الإصلاح الاقتصادي حتى في الظروف التي تبدو مستحيلة طالما الرؤية واضحة والإدارة التي تتولى تنفيذها كفؤة.
دمار وبحث
ففيتنام التي طوت عام 1975 محطة فاصلة في تاريخها منهية احتلالاً أميركياً دام 20 عاماً سبقه استعمار فرنسي لستة عقود وجدت نفسها أمام مآسٍ اقتصادية واجتماعية إنسانية عميقة تمثلت في مقتل ملايين الفيتناميين إلى جانب تدمير البنى التحتية والانهيار الاقتصادي والمالي، فضلاً عن انتشار الفقر والأمية والجريمة والمرض والتلوث إلى جانب ضغوط لجوء ونزوح الملايين إلى خارج البلاد، وفي نهاية السبعينيات دخلت فيتنام حرباً مع جارتها كمبوديا استمرت عقداً من الزمن، ظلت سنوات تبحث دون جدوى عن مخرج لأزماتها الضاغطة والمتعددة التي تجعلها رغم نجاحها في التحرر من ضمن «الدول الفاشلة».
«دوي موي»
قصة النجاح الفيتنامية التي توصف بالمعجزة بدأت عام 1985 عندما قاد الرئيس الجديد للحزب الشيوعي الفيتنامي، نيغوين فان لين، عملية الإصلاح في الحزب من خلال إطلاق برنامج «دوي موي – DoiMoi» وتعني بالفيتنامية التجديد أو الابتكار للنهضة الاقتصادية والاجتماعية مستوحياً من انفتاح الجارة الأضخم الصين نحو إعادة الهيكلة الاقتصادية الجذرية التي تميل باتجاه الرأسمالية واقتصاد السوق من خلال تحرير التجارة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والتحول نموذجاً صناعياً متقدماً دون الإخلال بطبيعة المجتمع الزراعي مع تطويره والعمل بشكل متوازٍ بين الاستثمار في التعليم وتطوير البنى التحتية... وكل هذا مع المحافظة على الصبغة الاشتراكية للبلاد كمنح الفلاحين حقوق استخدام الأراضي الزراعية فترات طويلة والرهان على رأس المال البشري وسياسات التخلص من الفقر والأمية والرعاية الاجتماعية والصحية، ناهيك عن أن التوسع في عمليات الخصخصة لم يلغ دور الدولة في تنظيم الاقتصاد.
تضاعف الاقتصاد
ففي منتصف الثمانينيات كان الناتج المحلي الاجمالي لفيتنام لا يتجاوز 14 مليار دولار ليتضاعف في نهاية عام 2023 إلى 476.3 ملياراً فيما نما متوسط دخل الفرد السنوي في فيتنام 5 مرات منذ أواخر الثمانينيات وقفز حجم تجارتها الخارجية من 9 مليارات دولار إلى أكثر من 786 ملياراً وباتت مركزاً منخفض التكاليف لعدد كبير من الشركات الأجنبية كسامسونغ وأبل وانتل وبوينغ وغيرها، ومن ضمن أكبر 10 دول في العالم تصديراً للتكنولوجيا، فضلاً عن تحولات جوهرية على صعيد مكافحة الفقر والأمية والبطالة... وبالمجمل تستهدف فيتنام تحقيق نمو اقتصادي سنوي يتجاوز 8 في المئة كأعلى من معدل نمو اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا.
وتتشابه تجربة نمو فيتنام بعد دمارها في السياق مع تجربة أخرى في القارة الإفريقية هي تجربة رواندا، التي حققت هي الأخرى قصة نجاح اقتصادي باهرة بعد تجاوزها لدمار حربها الأهلية مطلع تسعينيات القرن الماضي.
فهم لا استنساخ
بالنسبة للكويت، لن يصلح أن نستنسخ التجربة أو المعجزة الفيتنامية لا على صعيد التحديات ولا الموارد، إنما من ناحية استيعاب أهمية وجود رؤية واقعية مستمدة من حاجة الاقتصاد تشرف عليها إدارة كفؤة تطبق برامج تنفيذية بأدوات قياس فعّالة بحيث تستهدف نماذج نجاح بسيطة نسبياً أو لنقل أقل تعقيداً من النموذج الفيتنامي تتمثل في جعل الإنفاق العام والسياسات التنموية موجّهة نحو معالجة اختلالات الاقتصاد الهيكلية، لا سيما الإيرادات غير النفطية وسوق العمل وتنمية وتنويع الناتج المحلي الإجمالي ناهيك عن جودة الخدمات العامة واستدامتها.
وهذا كله على بساطته مقارنة بنماذج أو «معجزات» نجاح مبهرة كفيتنام أو رواندا يصعب تحققه في ظل عدم اعتراف الإدارة العامة بأهمية معالجة النتائج الصفرية المتكررة في رؤية الكويت 2035 التي وردت في تقرير متابعة حكومي صادر عن الأمانة العامة للتخطيط والتنمية فضلاً عن عمل مجلس الوزراء منذ عام ونصف العام دون برنامج عمل حكومي يحدد الأولويات والسياسات والبرامج التي تعد أساس أي نموذج نجاح مفترض.


































