اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
شارع السينما… ذاكرة إربد التي تستحق النبض من جديد
عدنان نصار
في قلب إربد، حيث تختلط رائحة القهوة بوقع الخطوات القديمة، ينام شارع السينما على أطراف الذاكرة. شارع حمل اسمه من تلك الصالات التي كانت تضيء عتمة الليالي بشغف الشاشة الكبيرة، وتفتح للأرابدة أبواب الحلم، في زمنٍ كان فيه الفن نافذة على العالم. لم يكن المكان مجرّد ممرٍ للتجارة أو حركة عابرة، بل كان ساحة ثقافية، ومنبرًا اجتماعيًا، ومعرضًا للوجوه والقصص التي صنعت هوية المدينة.
أحلام الصبا على أرصفة الشارع
في ذلك الزمن، كان شباب إربد يتبخترون في الشارع بخطوات واثقة، يملؤهم زهو العمر، وأحلام لا تنتهي. كان شارع السينما مرآةً لأحلامنا الصغيرة، يطرق نوافذ وجداننا، ويروي أسرار صبانا الموشومة على حجارة الأرصفة. ومن بين نوافذ البيوت العتيقة، كانت تتسلل إلينا أغنية تصافح القلب: 'من كم ليلة من كم يوم وإحنا بنستنا بده اليوم...'، فتضيف إلى المكان موسيقى خفية لا تزال تتردد في الذاكرة كلما مررنا به.
اليوم، يطل الشارع من بين ازدحام الأبنية والمحلات وكأنه يسأل: أين ذهب صخب الحياة الذي كان هنا؟ أين ذاك الزخم الثقافي الذي شكّل ذاكرة أجيال؟ إن تركه على حاله يعني أن نخسر فصلًا مهمًا من تاريخ إربد، وأن نسمح للغبار أن يغطي ملامح المكان الذي كان شاهدًا على نبض المدينة.
الحل ليس معجزة، بل رؤية. يمكن أن يتحوّل شارع السينما إلى قلب نابض من جديد إذا أُعيد تنظيمه بروح تحترم ماضيه وتستشرف مستقبله. تخيّل أن يُغلق أمام حركة السيارات، ويُعبد بحجارة بازلتية قديمة، تُعيد إليه هيبته وجاذبيته التراثية. وسط الشارع يمكن أن تُقام أكشاك أنيقة تعرض كتبًا ومجلات وصحفًا، لتستعيد الورقة حضورها في زمن تغلب فيه الشاشة على كل شيء. على جانبيه، مقاهٍ صغيرة تفوح منها رائحة البن، وأكشاك لعصائر طازجة، فيما تنتشر طاولات وكراسٍ إسمنتية أنيقة، تتيح للناس أن يجلسوا، يتحدثوا، يقرؤوا، أو ببساطة يستعيدوا عادات اللقاء والونس.
بهذه اللمسات، يتحوّل الشارع إلى فضاء ثقافي وسياحي، يليق بتاريخ إربد ومكانتها. يصبح محطة للزائرين، ومتنفّسًا للأهالي، وذاكرة متجددة لا تذبل. ليس الأمر ترفًا، بل واجب مدينةٍ تحترم نفسها وتعتز بتاريخها، وحقّ أجيالٍ جديدة أن تعيش تجربة المكان كما عاشها من سبقهم.
إن إعادة الحياة إلى شارع السينما ليست مجرد فكرة تجميلية، بل مشروع حضاري، يردّ الاعتبار لروح المدينة، ويمنح إربد فسحةً لتتنفّس بين الماضي والحاضر. هو الشريان الذي إذا عاد إليه الدم، تدفّقت معه حياة كاملة، وأشرق وجه المدينة من جديد.
ولعلها رسالة إلى بلدية إربد وكل صُنّاع القرار: إن كنتم تبحثون عن مشروع يختصر محبة الناس ويعيد الثقة بين المدينة وأهلها، فابدأوا من شارع السينما. أعيدوا له نبضه، تعيدوا لإربد روحها..