اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
#سواليف
' #ضريبة_الثقة '… #حكومة تسوقنا للمجهول!
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في مشهد لا يُحسد عليه أحد، أصدرت #الحكومة_الأردنية قرارًا برفع #الضريبة على بعض #المركبات وتخفيضها على أخرى، وكأنها تقوم بعملية تجميل فاشلة لوجه اقتصادي متهالك. القرار جاء مثل هدية مفخخة: عنوانه «تنظيم سوق السيارات» ومضمونه «هز الجيوب ومضاعفة الحيرة».
من الوهلة الأولى، لم يفهم الناس ما الذي تريده الحكومة بالضبط. هل هو رفع؟ أم تخفيض؟ أم مناورة ضريبية جديدة تصيب الجميع بالدوار؟ المواطن الأردني، الذي يملك قدرة خارقة على قراءة ما بين السطور – نتيجة تراكم خبراته في فكّ شيفرات القرارات الرسمية – انقسم بين من يرى أن القرار مجرد وسيلة لزيادة الجباية، ومن صدّق أنه 'تنظيم سوقي'، رغم أن السوق نفسه يئن منذ سنوات تحت وطأة التخبط وغياب السياسات الواضحة.
في الحقيقة، لم تكن المشكلة في القرار ذاته، بل في ما هو أعمق وأخطر: انعدام الثقة بين المواطن والحكومة.
نعم، هذه الثقة التي اندثرت كما اندثر الدينار في محفظة الموظف، وذابت كما تذوب وعود 'الإصلاح الاقتصادي' في حرارة الواقع اليومي.
فحين تصدر الحكومة قرارًا، لا يُستقبل بالتحليل أو النقاش بقدر ما يُستقبل بالتهكّم والريبة. المواطن لم يعد يسأل 'ما الهدف من القرار؟'، بل يسأل مباشرة: 'مين بدهم يضربونا هالمرة؟'. هو لا يبحث عن المنفعة، بل يتحسس الضرر. هذه ليست 'مبالغة شعبوية' بل واقع مأساوي، سببه تاريخ طويل من القرارات غير المفهومة، والشفافية الغائبة، والتنفيذ الانتقائي للسياسات.
كيف تريد الحكومة من الشعب أن يثق بها وهي تُغيّر سياساتها كما يُغيّر الناس محطات الراديو؟ يومًا تُخفض الضريبة لتشجيع المركبات، ويومًا آخر ترفعها بحجة 'حماية البيئة' (ونحن ما زلنا نتنفس هواء عمان المصفّى بعوادم الباصات). يومًا تدعو إلى دعم الطبقة الوسطى، ويومًا تفرض ضريبة على 'تنفس الهواء إن زاد عن الحد المسموح'.
السخرية بلغت ذروتها عندما حاول البعض تفسير القرار على أنه مناورة ذكية لضرب تجارة السيارات الهجينة، فيما فسره آخرون بأنه طريقة ملتوية لإنعاش خزينة الدولة على حساب المواطن الغلبان. وفي ظل انعدام الثقة، كل تفسير يصبح ممكنًا، حتى تلك التي تحمل طابع المؤامرة والتنجيم.
لكن السؤال الأخطر: ما الذي يحدث عندما تختفي الثقة بين الحاكم والمحكوم؟
ببساطة، تتحول القرارات – مهما كانت مفيدة في ظاهرها – إلى عبء سياسي واجتماعي. الأمن يتحول إلى إجراءات شكلية، والاستقرار يصبح عرضة للاهتزاز كلما ارتفعت فاتورة الكهرباء أو تم تسعير البنزين حسب الأبراج.
الثقة يا سادة، لا تُبنى بالتصريحات ولا بالابتسامات أمام الكاميرات، بل تُبنى بالفعل الشفاف، والنية الواضحة، والسياسات العادلة. لكن عندما يشعر المواطن أن كل قرار جديد هو مصيدة، وكل تعديل قانوني هو عبث بالعدالة، فكيف له أن يطمئن؟ وكيف لدولة أن تستقر دون رضا شعبها؟!
ربما ترى الحكومة في هذا الكلام تشاؤمًا، لكن الحقيقة أن المواطن الأردني لم يعد متشائمًا… لقد تجاوز هذه المرحلة إلى ما يمكن تسميته بـ'اللامبالاة الساخرة'، حيث يستقبل القرارات الجديدة بكوب شاي ونكتة، ويقول: 'شو جابوا اليوم؟ نكمل مسلسل الضريبة؟'.
وفي النهاية، لا نملك إلا أن نقول للحكومة: الثقة تُبنى بصعوبة وتُهدم بسهولة. وإن كنتم جادين في بناء بلد آمن ومستقر، فابدؤوا بإعادة ترميم الجسر المحطم بينكم وبين الناس. أما اللعب بالضرائب والسياسات المرتجفة، فلن يقود إلا إلى مزيد من الانفجار الصامت… الذي حين ينطق، لا ينفع الندم.