اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
ما بعد 7 أكتوبر: لحظة التحول الكبرى.. بين النظام السياسي والنظام المالي العادل #عاجل
كتب وائل منسي ـ
منذ السابع من أكتوبر، والعالم لا يعود إلى ما قبله، فقد شكّلت المجازر الصهيونية في غزة، والدعم الغربي الأعمى لإسرائيل، لحظة انكشاف أخلاقي وسياسي غير مسبوق. لم تعد القضية الفلسطينية شأناً داخلياً، بل أصبحت بوصلة أخلاقية لفرز القوى السياسية والاقتصادية عالميًا، وكشفت زيف ادعاءات الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان حين تتعلق بالإبادة والاستعمار.
لكن هذا التحول لم يكن سياسيًا فقط، بل يتكشّف شيئًا فشيئًا أن الهيمنة الصهيونية والغربية لا تقتصر على السياسة والعسكرة، بل تمتد جذورها إلى عمق النظام الاقتصادي العالمي، الذي يقوم على خلق المال من لا شيء، وعلى استعباد الأفراد والدول عبر أدوات الدين والمساعدات المشروطة، وحيث تُنتهك سيادة الدول وتُستباح بيانات الأفراد باسم 'التنمية'.
في قلب هذا النظام المالي يقبع ما يُعرف بـ'نظام الاحتياطي الجزئي' (Fractional Reserve)، الذي يسمح للبنوك بإقراض أضعاف ما تملكه فعليًا، مما يخلق 'مالًا وهميًا' غير مرتبط بأي إنتاج حقيقي.
هذا المال لا يُستخدم لتحفيز التنمية، بل لتمويل الحروب وتعزيز نفوذ نخبة مالية عالمية مرتبطة بالمؤسسات الصهيونية والغربية العابرة للحدود.
جيرمي كوربن: صوت مقاومة من داخل الغرب
في بريطانيا، أُقصي الزعيم العمالي السابق جيرمي كوربن بسبب مواقفه المناصرة للحق الفلسطيني، ورفضه الواضح لإبادة غزة. لكن المفارقة أن كوربن، الذي واجه تهمًا ملفقة بـ'معاداة السامية' بسبب دعمه لفلسطين، لم يُقصَ سياسيًا، بل عاد ليؤسس تيارًا تقدميا مستقلاً يناضل ضد الإمبريالية وضد اقتصاد الحروب والاحتكار المالي.
تيار كوربن يعيد الاعتبار لليسار الأخلاقي، ويعلن أن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن مقاومة المنظومة المالية العالمية، ولا يمكن للفرد أن يكون حرًا ما دام مرتهنًا لبنك، أو اقتصاد وطنه مرهونًا للمساعدات المشروطة والمؤسسات الدولية التي تُملي السياسات.
وهذا التحول السياسي والاقتصادي بدأ في دول غربية أخرى، في أمريكا بيرني ساندرز وفي معظم دول اوروبا أيضا.
من لندن إلى عمّان: السياق العربي والفرصة التاريخية
في الأردن والمنطقة العربية، تتجلى الأزمة ذاتها. أحزاب تقليدية عاجزة عن تمثيل الجيل الجديد، ونُخب مستهلكة فقدت مشروعها الوطني. ومع ذلك، فإن لحظة التحول التي يعيشها العالم تفتح أمامنا بابًا غير مسبوق: نحو بناء تيار سياسي اقتصادي جديد، يربط بين التحرر السياسي والتحول المالي.
نحن بحاجة إلى مشروع متكامل يُدرك أن التحرر لا يكون فقط برفع الشعارات، بل بإعادة بناء بنية النظام المالي من جذوره. فكما يُعاد النظر في جدوى الأحزاب التقليدية، كذلك تُطرح الأسئلة حول مدى عدالة النظام الاقتصادي القائم على المال الوهمي، على الريع لا الإنتاج، وعلى العبودية الرقمية لا السيادة الفردية.
نحو اقتصاد إنتاجي تشاركي عادل
في هذا الإطار، تبرز مقترحات بديلة جذرية كما يطرحها فيديو 'Wake Up 2' نحو بناء نظام مالي عادل يرتكز على إلغاء تدريجي لنظام الاحتياطي الجزئي، وربط المال بالإنتاج الحقيقي لا بالرقم الإلكتروني، وتمكين نظم مالية تشاركية (إسلامية، تعاونية)، وسيادة البيانات الفردية وشفافية رقمية عبر البلوك تشين.
وأخيرا وليس آخرا وقف تمويل الحروب وربط رأس المال بالتنمية.
هذا النموذج لا ينفصل عن مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يحفظ حرية السوق، لكنه يُخضعها للعدالة، ويربطها بغاية إنسانية. كما أنه يتقاطع مع المشروع السياسي الجديد الذي يحمله كوربن ومن على شاكلته: مقاومة المنظومة النيوليبرالية من داخلها، واستعادة الإنسان من أنقاض العبودية الاقتصادية.
الأردن: من المديونية إلى السيادة
بالنسبة للأردن، فإن تبني هذا التحول ليس ترفًا فكريًا بل ضرورة وجودية. اقتصاد مرهون بالديون، موازنات تُستنزف، مساعدات مشروطة، وشباب مهمّش... والكل محكوم بنظام مالي عالمي يُنتج الأزمات ولا يعالجها.
التحول نحو اقتصاد إنتاجي تشاركي سيُعيد توجيه المال نحو الزراعة والصناعة والمشاريع الصغيرة، وسيُفعّل أدوات التمويل العادل ويمكّن النساء والشباب، ويُعزز السيادة المالية، ويُخفّض التبعية.
كما أن تشكيل تيار سياسي ديمقراطي اجتماعي مقاوم، كما في تجربة كوربن، سيمنح هذا التحول بُعدًا سياسيًا ضروريًا، ويجمع بين مناضلين، مستقلين، وحركات شبابية، ترفض الاستعمار المالي كما ترفض الاحتلال العسكري.
لحظة التاريخ: الخيار بين الخضوع أو النهوض
العالم يتغير، الإمبراطورية تتصدع، الوعي العالمي يتصاعد، ويربط بين الاحتلال العسكري والاحتلال المالي.
لحظة الحقيقة وصلت، ولا يمكن للأردن والمنطقة أن تبقى متفرجة.
التغيير يبدأ من الإيمان بقدرتنا على إعادة تشكيل السياسة والاقتصاد معًا، من خارج الطاعة الحزبية، ومن خارج هيمنة المال الوهمي.
لقد حان وقت تيار جديد، يمتد من دول العالم إلى الإقليم إلى عمّان، ودمج اقتصاد السوق الاجتماعي مع التحول الرقمي الحقيقي ومنها شبكات البلوك تشين، ومن مقاومة الاحتلال إلى مقاومة العبودية الاقتصادية.
فهل نملك الجرأة لنبدأ؟